هذا هو الواقع، حادثتا استهداف منشآت النفط والغاز في مأربوحضرموت، كانتا لو لم تحبطا مقدمة لحال كارثية في البلاد، اقتصادية وبيئية واجتماعية، وبقدر ما تستحق حراسة المنشآت وقوات أجهزة الأمن الشكر الجزيل منا جميعنا، وبقدر ما تستحق وزارة الداخلية الإشادة على تمكنها في اليوم التالي من ضبط خلية إرهابية لها علاقة بالحادثتين وبتنظيم "القاعدة"، بقدر ما يستدعي الواجب الوطني نفسه إحباط وقوع كوارث سياسية تلوح بوادرها في الأفق. نيران التصعيد السياسي في البلاد الجاري إيقادها وعلى هذا النحو المحموم المثير للقلق منذ شهر على الأقل،لا تقل جسامة متى ما اندلعت عن نيران احتراق النفط والغاز،وتحويل آمال ومصائر الشعب إلى دخان. بل أن نيران هذا "التصعيد السياسي" غير المسئول، أكثر تدميراً وإخمادها متى ما اشتعلت أشد صعوبة من إخماد نيران مصفاة نفط أو غاز، قد تسبب أضراراً اقتصادية وبيئية لكنها لن تلتهم من الأرواح ما يمكن لنيران السياسة التهامه. الحال إذاً، تستدعي إنجاز "البيان السياسي" المُقترح لتهيئة أجواء السكينة وبث الطمأنينة في نفوس الناخبين قبيل يوم الاقتراع بعد غدٍ الأربعاء.. ولا أعرف بالضبط ما الذي يؤخر توقيع كافة الأحزاب والتنظيمات السياسية في البلاد على هذا البيان المشترك، الذي يكتسب أهمية كبرى بعد كل ما كان في فترة الدعاية الانتخابية من تأجيج للحماس وتهييج للعواطف حد الاحتقان. الواجب الوطني نفسه الذي دعا الجندي (صالح محمد المخزومي) للاستبسال في تأديته والاستشهاد في حماية مصافي "الضبة" في حضرموت؛ يوجب اليوم أن تهرع كافة الأحزاب المحلية إلى التوقيع دون أي تردد أو تأخر على أية مبادرة من شأنها تهيئة أجواء السلم، فقط إن كانت هذه الأحزاب ومختلف القوى السياسية في البلاد وطنية حقاً، وتنشد بالفعل لأجواء يوم الحسم الانتخابي أن يعمه السلام والآمان، وتبغي بالفعل انتخابات آمنة وحرة ونزيهة المطلوب الآن، من مرشحي الرئاسة الخمسة،أن يكفوا التعبئة ويبدأوا الآن التهدئة.. يتعين على كل مرشح أن يبادر اليوم ويوم غد الأخير في المدة الزمنية القانونية للدعاية الانتخابية، إلى تخصيص ما تبقى من مهرجاناته الانتخابية لامتصاص هيجان عاطفة الناخبين، وحث العقل فيهم واستدعاء الغيرة الوطنية لديهم وتهيئة نفوسهم ليوم اقتراع تذكيه المشاركة الواسعة، وتحكمه الحكمة اللازمة، وتعمه السكينة العامة، وتسوده الأعصاب الهادئة ومشاعر الاطمئنان والوطنية الواجبة. هذا وليس غيره،هو المطلوب بشدة من المرشحين الخمسة لرئاسة الجمهورية في الوقت اليسير المتبقي قبيل يوم الحسم الكبير، أن ينسوا برامجهم الانتخابية وشعاراتهم الحماسية، ومنافساتهم الدعائية المحمومة، ومعاركهم الجانبية، ويتذكروا فقط الأجواء الانتخابية المنشودة ليوم الأربعاء المقبل، ويعملوا بجد واجتهاد، وعن قناعة وعقيدة اقتناع، على تهيئة أسباب سكينتها وعوامل سِلْمِها ودوافع سلامها. لا جدوى تعول من مضي المرشحين في تكريس ما تبقى من مهرجاناتهم الانتخابية اليوم ويوم غد في التعبئة الدعائية للناخبين وتهييج حماسة المناصرين لهم وتأليبهم ضد منافسيهم ..الجدوى الفعلية الأكيدة تكمن في تكريس المرشحين باقي مهرجاناتهم لعقلنة الناخبين، وكبح جماح المتعصبين، ونبذ أفكار ومشاعر ومفردات وممارسات المتطرفين، وامتصاص شحنات الغضب والبغض المتراكمة طوال شهر أفل لدى جموع المناصرين. العقل والمنطق، الوطنية والغيرة، النزاهة والشرف .. كلها تحتم أن يتوجه الآن كل مرشح إلى مناصريه بخطاب مختلف كلياً، خطاب هادئ ورزين، صادق ومبين، يدعوهم إلى التعقل، ويبث فيهم السكينة، وينور بصائرهم بمشاعر التسامح.. خطاب جاد ومقنع يؤكد الصواب في مفهومهم للانتخابات ويصحح مغلوطه، يمدهم بالمعرفة المجردة والوعي المتجرد، ويسلحهم بالحكمة، ويحثهم على التزام الحُلم وإشاعة السلم. سوف أُكْبِرُ كثيراً جداً وأقدر عالياً وأثمن وأشكر جزيلاً، كل مرشح يقول لمناصريه اليوم وغداً: لا تهتموا لِمَن سيفوز مِنا، واهتموا فقط وتذكروا فقط أن أكبر فوز قد أحرزه وتحرزونه أنتم هو فوز اليمن بتأكيد جديد لاستحقاقها صفة الحكمة، ونجاح اليمن في الامتحان الجديد لتحضره وتطوره، ونجاحكم أنتم اليمنيين في امتحان الوعي والتمدن والرقي، بممارسة ديمقراطية راقية، خالية من الهمجية والعنف. سوف يخدم كل مرشح الوطن أيما خدمة إن هو توجه في باقي مهرجاناته بصدق وغيرة حقة،قائلاً لمناصريه:إن كل ما أتمناه هو توجهكم إلى صناديق الاقتراع بحب يضيء صدوركم،وحرص يوقظ ضمائركم،وأمل يوقد أذهانكم، وحِلْم يحكم أعصابكم، وحكمة تنير عقولكم، وهدف واحد تسعون إليه، هو تشريف اليمن،بسلوك مدني حضاري، وانتخابات حرة وآمنة وسلمية، لا تشوبها المهاترات والمناكفات،ولا تشوهها مظاهر الصخب والتعصب، ولا تعتورها ممارسات التطرف والعنف. ما هو الصعب في الإقدام على هذا العمل الوطني وتوجيه هذا الخطاب المدني؟.. وما هو الأهم -أساساً- لليمن ولليمنيين يوم الأربعاء المقبل، من انضباط الأعصاب، وانطفاء شرارات الالتهاب، وتحرر الناخبين من مشاعر البغضاء وهوج العصبية الحمقاء وقيود عاطفة الاستلاب، ومن تجنب البلاد ويلات الفتن والاحتراب، ومن شيوع أجواء سكينة وطمأنينة ومحبة تسود الألباب، ومن الحيلولة دون تحول حضرية الانتخاب إلى مناحة الانتحاب. لا شيء أهم على الإطلاق، ولا أكثر وطنية من تحمل المرشحين هذه المسئولية الكبيرة، وقيامهم بهذه المهمة الوطنية، وتحقيقهم هذه الأُمنية العاجلة،وسعيهم لبلوغ هذه الغاية النبيلة، الغاية الإيجابية من الانتخابات، بوصفها في الحقيقة أداة بناء لا هدم، مجرد وسيلة حضرية لبلوغ غاية خدمة البلاد وتحقيق طموحات وتطلعات العباد،وإحاطتهم بالمزيد من الرعاية، عبر تنافس القوى السياسية في تقديم برامج انتخابية تضمن إدارة حكومية أفضل ينتخبها الشعب وتختارها الأغلبية. ليست الانتخابات الرئاسية والمحلية هذا العام، هي نهاية المطاف، ثمة جولات ديمقراطية قادمة، تستطيع فيها الأحزاب والقوى السياسية التي لم تفز برامجها ومرشحوها بأصوات أغلبية الناخبين، أن تتنافس مجدداً على أصوات الأغلبية، ببرامج انتخابية أقرب إلى تطلعات الناخبين،ومرشحين أقرب إلى دائرة معرفة الناخبين وثقتهم، ولا ينبغي لذلك، أن يأخذ التنافس مساراً ينحرف عن هذه الغاية الديمقراطية، إلى غاية الهالك المُردد:"عليَّ وعلى أعدائي".