قديماً تجادل فنانو وأدباء العرب: هل يكون الفن والأدب للأدب، أم الفن والأدب للحياة!! لكن في عصر الديمقراطيات تيار جدل مشابه: هل المعارضة أم المعارضة للبناء!؟. الأوروبيون متفقون على أن المعارضة لأجل التقويم للأفضل ولأجل البناء، لكن في التجربة اليمنية التي تمثل أنموذجاً للديمقراطيات النامية أجمعت الأحزاب على أن المعارضة لأجل المعارضة، ومادمت معارضاً يجب عليك أن تعارض، وإن لم تجد ما تعارضه عارض نفسك، ومناهج حزبك، ومبادئك، وإن اقتضى الأمر أن تعارض ثقافتك الدينية فافعل ولا تتردد لأنك معارض يمني. المعارضة اليمنية أسست لمدرسة حزبية جديدة، قد تكون الأسوأ في تاريخ الديمقراطيات الناشئة، كونها تضع نفسها عائقاً أمام غايات الممارسة الديمقراطية.. فقد تعلمت أن تكون مع الدستور فقط عندما يخالفه الحزب الحاكم، وطالما هو مع الدستور فإنها تنتهكه لمجرد أنها معارضة. أنت معارض إذن يجب أن تقف بوجه قانون مكافحة الفساد، والهيئة المناط بها لأن هذه الهيئة مقترحة من قبل الرئيس/علي عبدالله صالح بينما أنت من حزب معارض.. فهكذا جرى الحال في مجلس النواب خلال الأيام الماضية حيث وقف نواب المعارضة بوجه مداولات إقرار مشروع هيئة مكافحة الفساد، ولم يكتف النواب بالمعارضة اللفظية بل تجاوزوها إلى مغادرة قاعة المجلس من أجل إحباط أي محاولة جادة للمصادقة وإقرار قانون وهيئة مكافحة الفساد. أنت معارض إذن يجب أن تعارض مؤتمر المانحين، وتصف كل ما يجري فيه بالتسول، وتعتبر الانضمام لعضوية مجلس التعاون باطلاً.. فتلك كلها تتبناها السلطة فيما أنت معارض.. ومادمت أنت معارض فمن حقك انتهاك القوانين، وعدم الاكتراث لشيء فلدينا محامٍ تحت الطلب «إن احجرت مرق وإن عزت مدق» فهو جاهز لكل زمان ومكان وسيعتبر دعوتك للانفصال امراً مشروعاً مادمت في بلد فقير، وكذا تسولك على أبواب السفارات الأجنبية مبرراً بالحريات، وإحراقك المؤسسات والمنشآت الإنتاجية والخدمية أو نهبها أمراً مشروعاً، لكونك معارضاً مباح لك سلب ونهب الدولة وتخريب ممتلكاتها. أنت معارض لكنك مفلس بغير ثقافة ولا إرادة ولا شيء يستحق الذكر، إذن من حقك أن تكذب وتفتري على السلطة لتشتهر.. بامكانك الادعاء إنك تعرضت لاختطاف، أو تعذيب، أو حتى وصلتك معلومات من «أم الصبيان» تؤكد وجود مشروع لتصفيتك.. فكل ذلك مقبول في قانون المعارضة اليمنية مادام يسيء للدولة. وعندما تكون معارضاً لا ينبغي عليك التفكير بعواقب ما تفعل فهناك عشرات الصحف الحزبية المعارضة التي ستكتب لك تاريخاً ولا في الاحلام.. فما تسرقه هو «انتزاع حق» وما تكذب به فهو سلاح الحرب التي «تبيح المحظورات» وعندما تستدعي قوات اجنبية فذلك ليس غزواً وإنما «تحرير» من ظلم وفساد، وعندما تخون الوفد المرافق له وترمي بنفسك في احضان العمالة الأجنبية، فذلك بطولة ستسطر لها عشرات الأقلام المأجورة القصص والملاحم التي تظهرك حينها مناضلاً، ومجاهداً في سبيل الله ومن أجل إعلاء كلمة الحق والإسلام رغم أنك ستكون حينها تغوص في مستنقع الرذيلة. هكذا هي المعارضة لدينا، وهكذا هو فن المعارضة في اليمن الذي يقضي بمعارضة كل ما تتنباه أو تدعو إليه السلطة.. حتى وإن كانت تدعوك إلى الجنة فعليك أن تعاندها وتختار جهنم لأنك معارض وعليك أن تتبنى ما يخالف خيار السلطة وارادتها.. أتمنى أن أحاور قيادات المعارضة لأسألها كيف تكون شريفة وهي تقف بوجه قانون مكافحة الفساد.. وكيف تكون حكيمة وهي تعتبر مؤتمر لندن تسولاً من الخارج رغم أنه يضع المنح في صندوق خليجي للانفاق على مشاريع تنموية.. وكيف يتحول المجتمع اليمني إلى مجتمع فاضل والمعارضة تبيح فيه لكل العاطلين الكذب، والافتراء والخيانة مادامت تؤدي إلى تشويه صورة السلطة.. وكيف يكون رجل أكرمه رئيس جمهورية وشرفه بمرافقته إلى لندن مضطهداً من النظام لا أظن المعارضة سوى مرض مستعص لابد من مكافحته لمن يرجو العيش سليماً.