الكثير منا يعرف أن التربية تسبق التعليم اسماً وفعلاً، وإن كانت الكلمتان مرتبطتين مع بعضهما عندما نقول مثلاً وزارة التربية والتعليم.. ولم توضع كلمة التربية قبل التعليم بطريقة ارتجالية أو نقول من الممكن أيضاً أن ننطقها وزارة «التعليم والتربية»، نظراً لأن التربية لابد أن يكون وجودها أولاً وفي أي زمن أو مكان.. ولهذا لابد وأن يكون لها الأولوية.. والانسان إذا لم يكن متعلماً لابد أن يكون متربياً وإن كان أمياً.. وبغير التربية لا يصلح الوطن، أو قد نصير شعباً أشبه بقطيع من المواشي لا يحترم أحدنا حقوق الآخر كون التربية هي من تقيد المرء عن التمادي والتطاول على حقوق الغير.. ولننظر مثلاً إذا تعدى طفل على أي شيء أو أخذ شيئاً أو كسر شيئاً آخر فيطلق عليه كلمة «بدون تربية» ولهذا تظل التربية قبل التعليم.. وأهم من التعليم.. لكن مايحدث في بعض المدارس يعكس هذه النظرية وإن كان ولي الأمر هو السبب الأول لذلك الانعكاس السلبي كونه يرمي بطفله الى بوابة المدرسة وعقله خالٍ من أي نصيحة أو كلمة إرشادية، ولا يعطيه شيئاً من أبجديات التربية التي تساعده لتقبل رأي المدرس وتجبره على فتح أذنيه وعقله لسماع وحفظ كل ما يأتيه من مدرسه.. والتقصير التربوي من قبل الأسرة هو الأخطر والأبشع للطفل من التقصير التعليمي من قبل المدرسة، كون الطالب إذا لم يسمع ويحترم نصائح أسرته لا يمكن أن يتقبل حتى لفتة غضب من معلمه.. ويؤسفني أشد الأسف لو نشرت غسيل قريتي على حبل التقصير التربوي وأظهرت ما يحدث فيها من مآسي الجهل التربوي لدى البعض من الأسر .. بعد أن صارت مدرسة النهضة وادي الصحى قريشة ملعباً لسلبيات الكثير من الطلاب، وإن كان ذلك يحدث حتى في بعض مدارس المدن الرئيسة.. لكن عندما نسكت جميعاً ونتغاضى عما يحدث فقد يصل التسيب التربوي الى حد الخراب والتخريب، ولكن نناشد أولياء الأمور من هذا المنبر الاعلامي ليقوموا بواجبهم إزاء ما يحدث من قبل البعض من أبنائهم داخل حرم مدرسة النهضة وادي الصحى.. ذلك الصرح التربوي العملاق الذي تخرج منه مئات الطلاب منذ تأسيسه عام 1973م حيث ظلت المدرسة كل هذه الفترة تقدم خدماتها التربوية والتعليمية لأبناء المنطقة الذين بادلوها العطاء بالعطاء حتى هذه اللحظة، إلا أن البعض من جيل اليوم ممن لايضعون للتربية أي احترام ولا للتعليم أدنى اهتمام.. حيث بدأوا يفرغون شحنات تخلفهم داخل المدرسة.. وكم أحزنني موقف أحد المدرسين الأوفياء لعملهم والذي أحرق أعصابه «وقرح معدته» أكثر من غيره وهو يحاول تقييم الاعوجاج داخل المدرسة ، حيث وجدته في عطلة العيد وهو يصنع من الأسياخ الحديدية لاحدى المظلات الشمسية المكسرة يصنع خطاطيف مدببة بأشكال مختلفة وبجانبها ملاقيط متنوعة قد حفظها داخل حقيبة صغيرة، وعند سؤالي له.. لماذا هذه الأشياء؟.. أجاب بكل حرقة وحسرة وتوجع «هذه عدتي» سوف استخرج بها أعواداً وأجساماً غريبة يقوم بها بعض الطلاب فاقدي التربية، حيث يقومون بحشو وتعبئة أقفال وربعات الأبواب داخل المدرسة لغرض محاربة مدير المدرسة الذي أفنى عمره منذ السبعينيات وهو يقدم خدماته التربوية الجليلة لأبناء منطقته بكل أمانة وبكل حب وود لمهنته، وكان يتنقل من البيت الى المدرسة بالحمار عندما كانت المدرسة بعيدة عن سكنه.. لكن الشجرة المثمرة هي دائماً من تتعرض للرمي بالحجارة.. ونحن بهذه المدرسة نعاني كثيراً من تخلف تربوي عند البعض أو القلة المؤثرة من الطلاب المنحرفين الذين يجعلونا نفقد جزءاً من أوقاتنا لاستخراج الأعواد والأجسام الغريبة من داخل الأقفال الخاصة بأبواب الفصول، بينما لدينا بالجانب الآخر طلاب على مستوى كبير من الثقافة والتربية .. لهذا تجدني أحمل عدتي معي عندما أذهب الى المدرسة لكي تساعدني على نجاح العملية الجراحية لفتح أبواب الفصول الدراسية عندما أصل وهي محشوة بالأعواد.. وكل هذا التحمل والصبر لأجل البعض الآخر من الطلاب المحبين لدراستهم. ... إذاً ماذا نسمي مثل هذا العمل؟ وهل تجد المدرسة حقها من الانصاف لو تولى البعض عملية المراقبة السرية وكشف من يقوم بمثل هذه الأعمال التخريبية؟ فهل يكون للأسرة كلمتها التربوية المنصفة لو ثبت لها أن ابنها العاق هو من يقوم بمحاربة التعليم في زمن الثقافة والانفتاح؟.