يبدو أن الفرقاء المتنازعين والمتناحرين في الساحة اللبنانية الملتهبة والمتأججة لم يدركوا بعد الأهمية المبالغة للدعوات الأخوية الصادقة المطالبة بالتهدئة والحوار ،وأهمها تلك الدعوة النبيلة التي أطلقها فخامة الرئيس علي عبدالله صالح والتي طالب من خلالها الاشقاء اللبنانيين بأطيافهم السياسية المختلفة على ضرورة الجلوس على طاولة الحوار باعتباره أي «الحوار» يشكل الركيزة الأساسية لتقريب وجهات النظر وحل مجمل الخلافات السياسية بلغة العقل والحوار الديمقراطي الهادف والبناء والذي يضع مصلحة لبنان ومستقبله وازدهاره فوق كل الاعتبارات والمصالح الذاتية والحزبية ، وماحدث بالأمس في العاصمة اللبنانية في إطار جامعة بيروت العربية من مواجهات مؤسفة ودامية عكس بجلاء مدى التنافر والتباين ومدى الانسداد السياسي المخيف بين الأطراف المعنية ، والذي بدت مؤشراته واضحة في مواجهات الخميس المؤسفة والتي تبدى لها كل جبين حر ليس فقط في الساحة اللبنانية بل في الساحتين العربية والإسلامية ، لاسيما وأن مايحاك ضد لبنان منذ الانتصار العسكري والتاريخي الذي حققته المقاومة اللبنانية البطلة على الكيان الصهيوني الغاصب وعلى جيشه الاسطوري الذي قيل عنه بأنه لايقهر ، وجاءت المقاومة في تموز 2006م لا لتقهره فحسب بل لتبعثر كرامته وأوراقه وسمعته في كل أنحاء ومواقع القتال ، أجل أيها الأعزاء إن كل مايجري اليوم في الساحة اللبنانية هو نتاج طبيعي لذلك الانتصار الاستراتيجي والتاريخي لأبطال المقاومة اللبنانية ، ولعل المتتبع للأوضاع القلقة والمتوترة في لبنان الحبيب يدرك مدى الانزعاج والقلق الشديدين لدى الأعداء والمتربصين بمصالح الأمة خصوصاً بعد أن باءت كل مخططاتهم بالفشل والاندحار في أرض الرافدين «عراق العروبة والحضارة والتاريخ» ولأن مآربهم ومخططاتهم البديلة باءت بنفس الفشل في لبنان العروبة والصمود في اغسطس المنصرم لم يجد أولئك الأعداء التاريخيون بداً سوى اللجوء إلى زرع بذور الفتنة والخلاف بين الأخوة والاشقاء في السلطة والمعارضة ولم يكتف أولئك الحاقدون بزرع بذورهم المميتة بل بادروا دون خجل أو حياء لتأييد وموازرة فريق دون الآخر وفق السياسات الملبية لاجندتهم المعلنة وأهمها تأجيج وتغذية الساحة بالخلافات الطائفية والعقائدية ،حيث برزت تلك المخططات والنوايا الحاقدة عقب الانفجار المؤسف لتلك الاحتقانات التي أسهم الأعداء في تأسيسها وصولاً إلى تداعياتها المؤسفة، وقد برزت تلك المخططات غير المعلنة من قبل من خلال ذلك التصريح الأهوج الذي أطلقه الرئيس بوش في عاصمة النور الأسبق باريس خلال المؤتمر الدولي الداعم للحكومة اللبنانية والذي أسفر عن منح لبنان 6،7 مليار دولار أمريكي حينما وصف حزب الله بالإرهاب وصنفه في المرتبة الثانية بعد القاعدة إضافة إلى وصفه الفج للشيعة بالخطر الذي يهدد مصالحه ومصالح العالم التي يحرص عليها إلى أبعد الحدود الخرافية والدليل ماحدث في العراق وماسيحدث مستقبلاً على ضوء استراتيجيته المرفوضة والفاشلة سلفاً إن شاء الله. إذاً مايحدث في لبنان لاينبغي السكوت عليه فهو مؤشر خطير ينذر بكثير من المآسي وبكثير من التدهور الأمني الذي قد يمتد في ظل الصمت العربي إلى شعوب واقطار أخرى ، وختاماً نقول على الأطراف المعنية في لبنان إدراك حجم المؤامرة وعدم الاكتفاء بالمطالبة بالتهدئة والاحتكام إلى العقل فخيوط المؤامرة باتت جلية وواضحة وتمزيق تلك الخيوط تهم لبنان قبل غيره.