ثمة من يروج في الواقع الاجتماعي اليمني لنوعين من الثقافة الاجتماعية وهما في حقيقة الأمر ثقافتان لا تخدمان المجتمع بل تضرانه وتفقدانه القدرة الذاتية على التغيير والتجديد النوعي للوعي والسلوك الاجتماعي. أما النوع الأول من تلك الثقافات فهي ثقافة الإعجاب والانبهار، وتعد هذه الثقافة أداة تخدير مميت للوعي الاجتماعي تصرفه عن التفاعل الدائم مع الحراك التنموي، كما انها تغذي الوعي باللا مبالاة والتسيب، وتصيب التفكير بالضمور والوعي القائم على ثقافة الإعجاب قاصر في نفسه، غير مستوعب لمستجدات الواقع وحاجات الأجيال إلى التغيير والتجديد في الوسائل والأفكار والمفاهيم والأشخاص، همها الأوحد الدفع بالجماهير إلى التصفيق الحار. وأما النوع الثاني من تلك الثقافات فثقافة الرفض والنقمة الدائمة على كل ما يسمع صاحبها ويرى، ولا تكاد تلحظ في وعي منتجها ومتلقيها شيئاً جميلاً ، مع ان الفطرة البشرية التي خلقنا الله تعالى عليها تمتلك عنصري القبول والرفض، الخير والشر، الاستحسان والاستقباح تجاه كل ما يقع تحت ابصارنا واسماعنا من أشياء وأشكال وصور وأعمال وأفكار ومنجزات واضافات وسلوكيات للأفراد والجماعات ومؤسسات الدولة. إن ثقافة الإعجاب والانبهار تورث الجبن والنفاق وتقتل ملكة التفكير والنقد والتحليل، ويميل صاحبها إلى الصمت السلبي تجاه كل المواقف والممارسات الاجتماعية صائبة كانت أو خاطئة، مثلما تورث ثقافة الرفض والنقمة والكراهية والفوضى والتشكيك بالنظام والقانون، كما أنها تقود إلى العنف الاجتماعي والتآمر على كل خطوة طيبة ووطنية؛ وهي نتاج معاناة مادية يمكن معالجتها بتحسين الأوضاع المعيشية وإدماجهم في مشاريع وطنية تستقطب الخير إلى نفوسهم وتحول بينهم وبين الصراع النفسي المنبثق عن الحاجة؛ ما لم يتم ذلك فستظل ثقافة النقمة تقوده إلى ما هو أفظع من ذلك. بيد ان ثقافة إيجابية وعملية وبناءة تقع بين ثقافتي الإعجاب والرفض هي ثقافة النقد الذاتي والوعي الإيجابي بالذات والآخر، إنها ثقافة التغيير الاجتماعي والتطور والنهوض الوطني تقوم على أساس من العقل والحكمة تتحرك بالتفكير والتحليل والبحث والدراسة، تتراكم في وعي أصحابها على هيئة نضج اجتماعي وتفانٍ وإخلاص في العمل الوطني، تتملك أهلها تطلعات إلى الأفضل والتجديد في كل ما يتصل بحياتهم وأعمالهم وما تقلدوا من أمانات ووظائف. ثقافة التغيير تزرع في الوعي الاجتماعي الميزان الدائم والتوازن النفسي، إنها ثقافة نوعية تصهر مشاعر النخبة والعامة باتجاه نشدان الإصلاح الدائم وتهذيب عواطف وطموحات الأجيال في الاتجاه الصحيح الذي يخدم البناء الوطني والتنمية الشاملة وتحقيق الوعي المتوازن بالحقوق والواجبات الأمر الذي سيسهم في تنامي وعي جماهيري إيجابي يساعد الدولة ومؤسساتها على العمل وعدم الاصطدام بالواقع.