تسريبات التعديل أو التشكيل الحكومي الذي تحدد - حين تسريبه - أنه سيتم خلال ساعات ثم لم يتجاوز الأمر حدود التسريب الإشاعي حين فات الميعاد.. هذه المرة لم يتعامل معها الوعي العام كسابقاتها من التسريبات بمرور الكرام، وانما أخذها بجدية تامة كونها أولاً وردت صراحة من موقع الحزب الحاكم وعممتها جهات رسمية في السلطة، ثم جاء نفي الخبر من مصدر مسئول ليعطيه مزيداً من التأكيد. والأصل في تسريبات الطرف الحاكم ان تدس عبر جهات لاصلة لها بالسلطة، وتأخذ الشكل القابل للاحتمالات وبالذات فيما يتعلق بتعديل أو بتعيين.. إلا عندما تكون الطبخة جاهزة ولم يتبق عليها سوى الإعلام بالإعلان..! ولعل ماساعد على تثبيت اليقين بجدية الأمر هو الفترة الزمنية التي صدرت فيها الإشاعة حين كانت الأذهان مهيأة بل ومترقبة لإحداث تغيير ما بعد الانتخابات الرئاسية، ولو لمجرد التغيير لبعث شعور من الاطمئنان بأنه قد بدأ العد الفعلي للتغيير الجديد القادم. واليوم وبعد أيام عديدة وليست مجرد ساعات - أصبحت هذه الاشاعة تمثل مشكلة حقيقية لها آثارها الفعلية وظلالها المؤثرة على مستوى الحزب الحاكم وعلى الحكومة وعلى بقية الفئات معارضة وجماهيراً على السواء.. وكأنه لم يعد هناك مناص للفكاك منها سوى بالهروب نحوها.. حتى على افتراض انّ إطلاقها جاء كبالون اختبار لفئة ما، أو فرقعة امتصاصية لطرف معين، أو رسالة مبطنة لأشخاص محددين.. فقد أصبح امل الجماهير ورضا الموعودين واستعداد المعنيين - في ظل تعليقها.. مرهوناً بحسمها بالفعل أو عدم الفعل - باعتبار المزاج العام يربطها بتنفيذ البرنامج الانتخابي وتحسين الأحوال وبشروط المانحين والتهيأة للانضمام الكامل إلى مجلس التعاون الخليجي.. وقد زاد من اضطراب الحسابات لصالح تحقيقها ماورد عن فخامة الأخ/ علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية من عدم النفي أو الإثبات لها في مقابلته لصحيفة (البيان) الاماراتية. الاشاعة وضغطها على الحكومة : وفي الوقت نفسه انعكس ضغط تلك الاشاعة على أعضاء الحكومة كلهم. ونذكر هنا بالملاحظة الدقيقة التي وردت من الأخ الشيخ /سلطان البركاني الامين العام المساعد للمؤتمر حين اشار ان الحكومة بجميع وزرائها صارت بحكم المشلولة نظراً للقلق الغامض الذي استولى على ذهنية اعضائها بينما أن واجبهم يقتضي اداء مسئولياتهم دون الالتفات للتغيير الذي سيأتي في أي وقت.. وفي الواقع ان اعضاء الحكومة معذورون لأنهم لم يدروا هل يتعاملون بنفسية المسئول المتصل أم المعزول المنفصل !!.. والطريف في هذا السياق ان من الناس بمختلف مشاربهم من فسر السفر المفاجىء للأخ الاستاذ/ عبدالقادر باجمال رئىس مجلس الوزراء بانه اشبه بالاعتكاف المؤقت إلى أن تنقشع الغيوم !! ومع أن المسألة أبسط من كل ذلك لكون الرجل سافر إثر وعكة صحية ألمت به ويعرفها كل من حوله قبل أن يذهب إلى سوريا.. والاستاذ /باجمال رجل دولة مسئول وامين عام الحزب الحاكم وبعيد كل البعد في أن تقاس عليه تلك التوقعات الخيالية. ولكن كل هذا يؤكد لنا مدى ماشكلته هذه الإشاعة من قوة فعل تأثيري في أذهان الناس تجعلهم يفسرون على أساسها تحرك وغياب وحضور وابتسام وتقطيب كل عضو في الحكومة بمن فيهم رئيسها !!.. ويبدو أن مزاج الناس جعلهم يريحون عقولهم من الوقوف في منزلة بين المنزلتين الفعل وعدمه.. فقطعوا بأن التغيير وارد.. وارد لامحالة واستقر معظمهم على ذلك.. وأصبح الحديث حالياً يدور حول الجواب النهائي المتعلق باسم من سيبقى ومن سيغادر من الوزراء ومن سيأتي.. ومن الناس من اعتبر ترشيح الأخ/علي مجور اختياراً موفقاً كونه رجلاً جاداً شريفاً نزيهاً وصاحب كفاءة إدارية ومكانة اجتماعية.. في حين ان البعض الآخر من أكد تلك الايجابيات ولم ينفها.. وانما طرح عدم توفر تجربة القيادة السياسية والاقتصادية الكافية وضيق الصدر في التعامل.. وبعضهم ذهب إلى حسبة «كظاك» !!.. ومامعنى الاشتراط أن يكون من هنا أو هناك في ظل حكومة الوطن الواحد.. والملفت للنظر أن التأجيل انصب في مصلحة الاستاذ/ عبدالقادر باجمال.. ولهذا فقد عاد الحديث بقوة عن باجمال وأنه يمتلك المواصفات المطلوبة في شخص رئىس الوزراء ولديه من كل شيء أحسنه.. وانه الأقدر دائماً على تغطية كل ثغرة في أي موقف يتطلب ذلك وليس هناك البديل الذي يمكن ان يسد مسده في حين أن المفترض مجيء بديل أكثر كفاءة وأعلى مستوى في القبول.. وإلا كان بقاء الحال على ماهو عليه هو أفضل الخيارات.. خاصة ولم يمض عام على آخر تعديل كما أن امام الحكومة الحالية مهام استكمال البرامج مع الشركاء في الدول المانحة وفي مجلس التعاون الخليجي ويمكن اجراء أي تشكيل جديد مع نهاية الانتخابات النيابية القادمة عام 2009م ويطرحون انه لامعنى للارتياح أو عدم الارتياح غير الموضوعي من أي طرف خارجي تجاه مسئول حكومي ما.. في علاقة تدخل في صميم الاعتبار للمسئولية السيادية للدولة !!.. وفي هذا المقام يردد البعض قولهم من جديد لعل المبرر للتغيير يتمثل في ضرورة تفرغ الاستاذ /باجمال كأمين عام للمؤتمر - لقيادة الحزب وهو أكفأ من يقوم بذلك.. وتفرغ الأمين العام للمؤتمر يجر معه بشكل تلقائي موضوع تفرغ الامينين العامين المساعدين المشاركين معه في الحكومة.. وهما الأخ /صادق أمين أبو رأس وزير الادارة المحلية والأخ/عبدالرحمن الاكوع وزير الشباب والرياضة.. ممايعني تحريك بقية حبات المسبحة في الحكومة أو قصر ذلك على ثلاث منها !! بالرغم من ان الأمين العام والأمينين المساعدين لم يخلوا بمسئوليتهم التنفيذية والتنظيمية في أي من الموقعين. من هو البديل لباجمال : وبالعودة للحديث عن البديل بين المكافىء لباجمال.. نلاحظ ان الاحتمالات في بدايتها انحصرت في تحديد قلة من الاشخاص واصبحت حالياً أضيق تحديداً.. قالوا فرج بن غانم : فقيل بأن المسئولية تقتضي جدية الالتزام ومواجهة الاعباء وعدم ضيق الصدر أو اعلان الانسحاب وتخييب الآمال وقت الحاجة.. رغم كل مايتوفر لدى الرجل من كفاءة مثالية ورصيد وطني عالي المستوى. قالوا : حيدر العطاس : فكان الرد أنه من خارج حزب الأغلبية وذاك يخالف قواعد اللعبة السياسية ومنطق الديمقراطية.. وهو ماينطبق على غيره من الكفاءات الوطنية خارج الحزب الحاكم. - قالوا د/ عبدالكريم الارياني : فكان الرد أنه الشخص المناسب الكفؤ من جميع الجوانب دون نقص وهو عندما يريد أن يحدث فعلاً ويحقق حضوراً في أية لحظة زمنية والخروج بأكبر المكاسب وأقل الخسائر فهو خير من يتقن ذلك.. ولكن المشكلة في عزوفه عن المسئولية العامة وزهده فيها لظروفه الصحية وهو ماحدا به إلى ترك منصب الامانة العامة بعد ان قاد المؤتمر إلى تحقيق الاغلبية النيابية الكاسحة كما سبق ان صرح بذلك قبل وقت مبكر من البدء بالانتخابات.. وقد أغلق الرجل الباب أمام الجميع حين قال «رحم الله رجلاً عرف قدر صحته» !!. - وهنا تتجه الأنظار إلى الاستاذ /عبدالعزيز عبدالغني : والذي يحق لنا القول: إن شخصيته الوقورة استقرت في الذهن الشعبي في مقام المنقذ المخلص.. حيث كان يتولى رئاسة الحكومة في أصعب الظروف وأكثرها توتراً.. وآخرها ترؤسه الحكومة بعد الحرب الانفصالية عام 1994م.. و استطاع ان يتجاوز مخلفات التقاسم والأزمة السياسية وآثار الحرب إلى بر الأمان وهيأ اليمن إلى نيل استحقاق الانضمام لنادي باريس وإسقاط الديون عنها.. وجاءت حكومة فرج بن غانم التي حصدت ذلك لتعطي الشهادة الميدانية عملياً على نجاح حكومة الاستاذ عبدالعزيز عبدالغني في توفيرها عوامل الاستقرار والسلامة والنهوض لمن جاء بعده في رئاسة الحكومة. والاستاذ /عبدالعزيز يمتلك من رصيد وثراء التجربة الادارية والاقتصادية والسياسية واحترام المحافل الدولية والمنظمات المانحة ودول الجوار.. مايؤهله لتجاوز الكثير من الصعوبات القائمة وتحقيق الكثير من التوقعات المأمولة.. وهو محل احترام القوى الاجتماعية والقوى السياسية في الداخل وخير من يجيد لعبة السياسة بأخلاق. وهنا يثير البعض تساؤلاً فحواه : أليس الاستاذ عبدالعزيز عبدالغني وجهاً مألوفاً غير جديد.. فأين التغيير إذاً؟ !!.. والناس يتوقعون تجديداً أو بالأصح تشبيباً ؟!.. وقد يكون لهذا التساؤل مايبرره.. لأن موضة التشبيب في بلادنا والتغيير لمجرد التغيير قد اصبحت موضة سائدة بغض النظر عن كفاءة الجديد وعمايمكن ان يترتب على هذا التشبيب من إعاقة !!.. بينما أن الدول الانضج منا والأسبق منا تتجه إلى تغليب الكفاءات من ذوي التجربة والتمرس العملي وتراكم التجربة القادرين دوماً على التجديد والإبداع في كل مراحل عمرهم.. وهو ماينطبق على الاستاذ عبدالعزيز.. ان كان ولابد من تغيير باجمال.. والله سبحانه وتعالى لايكلف الانبياء بتبليغ الرسالة إلا بعد سن الاربعين ماعدا عيسى عليه السلام فإعلانه النبوة كان معجزة.. أما نحن فكم لدينا من «مسائيل» معجزة من أعلى درجة في الجهاز الحكومي إلى واطيها !!.. وعلى حد تعبير إخواننا في محافظة إب «والله ماهذي الا عِجْبِه».