في العديد من المناسبات عبر فخامة الرئيس «علي عبدالله صالح» عن متانة العلاقات اليمنية السعودية بقوله :«إن المملكة واليمن بلد واحد وصمام أمن واستقرار في المنطقة» كما أشار في أحد خطاباته إلى أن:«اليمن والسعودية يشكلان الظهر الدافئ للمنطقة .. وبدوره أفصح خادم الحرمين الشريفين الملك «عبدالله بن عبدالعزيز» عن وجهة نظر قريبة من تلك الرؤية التي عبرت عنها القيادة السياسية اليمنية حين قال: «إننا حينما نتطلع إلى انضمام اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي،فإننا نتحدث عن بلد تربطنا به وشائج الرحم والعقيدة والقربى..فمن اليمن تنبع أصولنا العريقة ومن اليمن أتى آباؤنا واجدادنا» كما أكد في مناسبة أخرى على :«أن اليمن أصل العرب،وانضمامها إلى مجلس التعاون الخليجي آت حتماً». وعلى الرغم من أن بين تلك التصريحات مسافات جغرافية شاسعة، وفواصل زمنية كبيرة،فإنها تقترب في رؤيتها لطبيعة العلاقات اليمنية السعودية ،وفي تصورها لمستقبل تلك العلاقة ...والثابت أنها تجسد حقيقة مفادها أن اليمن والسعودية بحجمهما وثقلهما الجيوبولينيكي ،«المساحة الشاسعة والموقع الاستراتيجي القريب من منابع النفط والمتحكم في حركة الملاحة في أهم منطقة من العالم،والسواحل ذات الأطوال الممتدة في البحر الأحمر والمحيط الهندي،والموارد الأولية الكبيرة» ،والديمغرافي «الكثافة السكانية الكبيرة» هما العمق الاستراتيجي لمنطقة الخليج والجزيرة العربية،وحجر الزاوية لأمنها وحصن قوة وتماسك كيانها وكامل منظومتها المجتمعية السياسية والاقتصادية والأمنية،وربما يشكلان في الوقت الحاضر صمام أمان للعالمين العربي والإسلامي بسبب تزايد التهديدات الإيرانية بالتدخل في شئون دول المنطقة بعد انهيار النظام والدولة العراقية،وكذا بالنظر إلى المواقف اليمنية والسعودية المتميزة من قضايا الأمتين العربية والإسلامية،والوساطة السعودية في حل الأزمة الفلسطينية بين القبائل المتناحرة في مدينة «مكةالمكرمة» دليل حي على النجاحات التي يمكن أن تحققها مثل تلك المواقف القومية المتميزة. العلاقات اليمنية السعودية متعددة الأبعاد والجوانب،حيث تتداخل فيها قضايا السياسة والاقتصاد والجغرافيا بالتاريخ والاجتماع والثقافة،وربما يعد ملف الأمن المشترك والاستقرار السياسي للطرفين أكثر الملفات سخونة وحضوراً خلال الفترة الماضية بالنظر إلى الأحداث التي عرفها البلدان،وهي الأحداث التي تفرض عليهما التنسيق في المواقف والسياسات المنفذة،واتخاذ الخطوات اللازمة لمنع انتقال التأثيرات السلبية لما يحدث في أحد الجانبين إلى الآخر،وهذا يفترض برأيي تسليط الضوء على العديد من أوجه التنسيق والتعاون التي يمكن للبلدين أن يتخذاها في سبيل دعم الأمن والاستقرار الاقتصادي والسياسي فيهما،وموضوع العلاقات اليمنية السعودية واحد من الموضوعات التي اشبعت بحثاً،كما كثر المتناولون لأبعاده وقضاياه المختلفة،والأبحاث التي أنجزت أكثر من أن يتسع لذكرها الحيز المتاح لهذه التناولة. وباعتقادي أن المستجدات التي عرفتها العلاقات اليمنية السعودية منذ وقع الجانبان اتفاقية «جدة» الحدودية جديرة بالاهتمام والدراسة المتأنية والمستفيضة لاستخلاص الدروس والعبر،ولم لا؟..الاستفادة من المعالجة الهادئة والسلمية التي توصل بها الطرفان إلى حل نزاعهما الحدودي الطويل في حل بعض المنازعات السياسية والحدودية بين العديد من الأقطار العربية التي لازالت تمثل بؤراً للعنف والانقسام في الصف العربي يعيق كثيراً عمليات التنسيق والتكامل بين أقطار عالمنا العربي ،لاسيما ونحن على بعد أيام من انعقاد القمة العربية التي ستحتضنها مدينة «الرياض» عاصمة المملكة العربية السعودية ،فهل سيكون لدى البلدين مايحملانه للقمة القادمة كمشروع مشترك لدعم العمل العربي ،عوضاً عن المشاريع الفردية التي تعودنا رؤيتها عند انعقاد كل قمة عربية؟! إجمالاً ،يمكن للمتتبع لتاريخ العلاقات اليمنية والسعودية ملاحظة العديد من الأمور التي شكلت عوامل إعاقة لأي تقارب جدي بين الطرفين اليمني والسعودي ،بعضها تجاوزها الطرفان وأصبحت ذكراً من الماضي،والبعض الآخر بقي حاضراً،وربما سيكون لأسلوب التعامل معها أثر في توجيه مسار العلاقات إما باتجاه تعزيز التعاون والتنسيق والشراكة،وإما باتجاه زيادة حدة التنافر والخلاف .،بعض تلك العوامل يرتبط بالإرث التاريخي الذي خلفته سنوات من الصراع القبلي بين الدولتين،والبعض الآخر يفرزه الاختلاف بين طبيعة النظامين ودرجة التطور السياسي والاقتصادي ،وغيرها من العوامل التي قد تمثل عناصر خلافية بينهما إن لم يتم التعامل معها بنفس الطرق والأساليب الدبلوماسية ،والحنكة السياسية. ويشير «بدر الأغبري» إلى أنه،وبالرغم من حالة التوتر المستمرة التي طبعت علاقات اليمن بالسعودية ،فإن الملاحظ أن مظاهر المواجهة الحادة والرغبة في تفجير الصراع إلى مرحلة اللاعودة ظلت معدومة لدى الطرفين ،.كما أن العلاقات بين البلدين اتسمت بهيمنة حالة من الهدنة وسيادة الرؤية الداعية إلى تحكيم العقل قبل العاطفة في إدارة الأزمة والصراع بين البلدين. وهذا الأمر له مغزاه وأهميته عند تناول العلاقات الثنائية بين طرفين دوليين،إذ يدل على أن الطرفين معاً حرصا على عدم تأجيج الصراع بينهما حرصاً على علاقات الجوار الجغرافي والتداخل البشري بينهما، كما يفسر سر التقارب الذي حدث بعد انتهاء أساس الخلاف الجوهري «أي قضية الحدود» وتوقيع اتفاقية جدة الحدودية،إذ أبان الطرفان عن رغبة شديدة في الوصول بالعلاقات التعاونية إلى أقصاها بعيداً عن عوامل الصراع والتنافر؛فقد أنهت اتفاقية جدة الحدودية الموقعة بين البلدين في 12يونيو2000م في مدينة جدة السعودية العديد من المشاكل بين البلدين،وعلى رأس تلك المشاكل مشكلة الحدود التي ظلت قائمة بين البلدين ولمدة طويلة من الزمان،وقد خلقت تلك الاتفاقية جواً من الثقة المتبادلة بين الطرفين وحركت العديد من المياه الآسنة والراكدة التي ظلت تحوم في أجواء العلاقات اليمنية السعودية،ولذا فمن المؤكد أنه سيكون لها أثر كبير في زيادة مجالات التعاون والتكامل بينهما، وكما تمت الإشارة إلى العوامل المعيقة لقيام علاقات شراكة حقيقية بين الطرفين اليمني والسعودي، يمكن لنا أن نحدد العديد من العوامل التي نعتقد أنها تشكل مجالاً خصباً لقيام علاقات تعاون وصولاً إلى الشراكة العملية بينهما وفق أسس أهمها:التداخل الجغرافي والموروث الحضاري المشترك،وقضايا الأمن ومحاربة الإرهاب وأخيراً دعم انضمام اليمن إلى مؤسسات مجلس التعاون الخليجي. ودون الخوض في التفاصيل المتعلقة بالنقطتين الأولى والثانية التي تحتاج إلى حيز كبير للحديث عنها،نشير إلى أن المملكة العربية السعودية لعبت دوراً مهماً في دعم الطلب اليمني للانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي،وقد اعتبر العديد من الباحثين أن هذا التحول في الموقف السعودي من اليمن كان ثمرة أولى من ثمار التقارب السعودي اليمني بعد التوقيع على «اتفاقية جدة»: حيث تبنت المملكة دوراً رئيساً في نتائج قمة دول مجلس التعاون الخليجي التي عقدت في مسقط عام2001م فأصبح اليمن بموجب ذلك القرار مرتبطاً بالمجلس مؤسسياً واستراتيجياً كعضو مشارك،وأردفت ذلك الموقف بتبني سياسات واجراءات من شأنها أن تجعل من اليمن فاعلاً في المجلس في الآونة القريبة،إيماناً منها بأن اليمن جزء من إقليم الخليج والجزيرة العربية. وقد سبق للمغفور له الملك فهد بن عبدالعزيز «رحمه الله» أن أكد خلال العديد من المناسبات على ضرورة تأهيل اليمن للانضمام إلى الخليج،وأهمية توجيه الصناديق الخليجية لدعم برامج التنمية في اليمن،بغرض تأهيل الاقتصاد اليمني للاندماج في اقتصاديات دول الخليج خلال الفترة المحددة،تلك النظرة الثاقبة كانت تعني أن تأهيل اليمن ،وتخطيه حدود الفقر،ومساعدته في حل مشاكله سوف يجعل منها سلاحاً خليجياً يسهم بشكل ايجابي على المستوى الأمني والسياسي والاقتصادي في المنظومة الخليجية،كما حرصت القيادة السعودية برئاسة خادم الحرمين الشريفين «الملك عبدالله بن عبدالعزيز» على إحداث تطورات نوعية لتأهيل انضمام اليمن إلى دول مجلس التعاون الخليجي وذلك من خلال اجتماعات مجلس التنسيق السعودي اليمني وبشكل دوري كل ستة أشهر بدلاً عن مرة كل عام،ليعمل على تسريع الخطى في اختصار عامل الزمن لتحقيق الانضمام الكامل لليمن بموجب تقرير الشراكة بين الدولتين وفتح العديد من مجالات التعاون في قطاعات التنمية والاستثمار واتخاذ الخطوات الجادة في البناء. وقد لاحظنا كيف أن المملكة العربية السعودية لعبت دوراً مميزاً وبارزاً في «مؤتمر الدول المانحة» المنعقد خلال الفترة من 1516نوفمبر 2006م في لندن،وهو المؤتمر الذي ظلت اليمن تعول عليه كثيراً في تأهيل اقتصادها من أجل مواكبة مستويات التطور في الاقتصاد الخليجي ،وتقريب مرحلة اندماجها في التكتل الخليجي،إذ أسهمت بمبلغ مليار دولار لدعم خطط ومشاريع التنمية اليمنية ،ودفعت باقي الأطراف الخليجية إلى رفع سقف الدعم الممنوح لها،والأكيد أن كل تلك الأمور ستسهم في تعزيز وتوطيد العلاقات اليمنية السعودية،وتصل بها إلى مرحلة من التكامل والشراكة الفاعلة بين البلدين والشعبين. - استاذ العلوم السياسية جامعة إب