هل يدرك العرب والمسلمون، بل وعالم الجنوب «العالم النامي» ما يُراد بهم؟ لا أعتقد أن السؤال صعب، فالإجابة عليه سهلة، وكلنا نعلمها وندركها.. إن ما يراد بهذا العالم عربي وإسلامي ونامٍ «جنوب العالم» أن لا ينهض ويقف على رجليه، ويملك ناصية أموره، ويتصرف بثرواته كيف يشاء، ويعتمد على نفسه.. لا يُراد لهذا العالم النامي أن يحقق التقدم والتعامل والتعاطي مع عالم الشمال.. الغرب «الأوروبي والأمريكي» بندية ومساواة وعدل وباقتدار وكفاءة وباستقلال وسيادة. الغرب يريد الهيمنة والسيطرة، يريد الاحتواء والإلحاق لكل العالم النامي، يريد ثرواته وأراضيه، يريد أناسه وجغرافيته، يريد أسواقه، يريد تبديد عوامل ومقومات نهضته، يريد ابتزاز قراره وضرب استقراره لاستنزاف موارده وإمكاناته وقدراته ووقته في مواجهة المشاكل بدلاً من توجيهها لإحداث النهضة والتقدم والتطور.. إنه الاستعمار بعينه مهما كانت الصور التي يجيء بها، ومهما كانت العباءات التي يلبسها، ومهما كانت العبارات التي يستخدمها.. فإنه الاستعمار القديم الحديث لا فرق. لقد جاء الغرب إلى بلاد العالم النامي خلال القرنين الماضيين تحت شعار مساعدة الشعوب وإعمارها والنهوض بها، فإذا بالشعوب النامية لا تجد إلا أقسى وأبشع أنواع الإبادة العنصرية، ولم تجد سوى القمع والإرهاب والجوع والفقر والمرض والجهل والابتزاز والاستعباد للإنسان، وهو ما استنهض الشعوب أن تثأر لكرامتها وتحمل السلاح المحدود في سبيل حريتها، وتخوض حرباً تحريرية ضد الاستعمار الغربي حتى نالت استقلالها بتضحيات جسيمة ولفترات طويلة.. وغادر الاستعمار الغربي دون أن يحقق أي تقدم أو تطور للشعوب النامية، كما كان يدعي حين أتى بجيوشه المحمولة بحراً وجواً.. رحل بعد عقود عديدة من استعماره تاركاً البلدان النامية ومخلفاً فيها الفقر والمرض والتخلف السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي. وهاهو اليوم يعود من جديد رافعاً شعار العالم الجديد، عالم الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان والمرأة والطفل.. وحين نتابع بالصوت والصورة أفعاله وتصرفاته نجد العكس، فلا هدف نبيل في صداقاته، ولا في تحالفاته، ولا في شراكته، ولا في علاقاته مع شعوب العالم.. إن التعامل معه لا يقل عن الأمراض الخبيثة التي لا تخلف إلا الدمار والموت للإنسان. لاشك أن العرب والمسلمين وبلاد العالم الثالث في كل من آسيا وافريقيا وأمريكا الجنوبية «شعوباً وحكومات» بدأوا يدركون حقيقة الوجه البشع للنظام العالمي «أمركة العالم».. فتحت ستار الديمقراطية والحرية يثير الفتن والحروب الأهلية.. وتحت شعار حقوق الإنسان يتآمر على الأنظمة الوطنية الممانعة والمقاومة، ويسعى بكل جهد لإسقاطها لإحلال أنظمة وحكومات موالية وتابعة له.. وتحت ستار السلام والأمن الدوليين ومكافحة الإرهاب يهاجم الشعوب بجيوشه، ويغزوها بقواته ويحتلها ويمارس ضد الشعوب القتل والسجن والتعذيب، بل والتدمير للمدن والقرى بما فيها من شيوخ ونساء وأطفال دون رحمة أو رأفة، ويمضي في تدمير وتخريب البنى الأساسية وكل مقومات النهضة التي كانت قد حققتها هذه البلدان. هذا هو النظام العالمي الجديد «أمركة العالم» الذي بدأت تتخلق مقاومة عالمية لمواجهته. «لنا عودة»