طالما توقفت ذاهلاً عند القدرة الفائقة التي يتمتع بها الأستاذ /محمد حسنين هيكل في قراءة المشهد السياسي وتحليله.. إن مايفعله هيكل ببساطة شديدة هو إعادة رواية التاريخ السياسي الحديث لمنطقة الشرق الأوسط عموماً وليس لمصر فحسب رواية تحليلية ناقدة معلقة شارحة يرويها بسجية متفتحة وذهن متوقد لاتغيب عنه صغيرة أو كبيرة ولا أدق التواريخ والأسماء والتفاصيل.. يكشف هيكل حقائق وأسراراً تاريخية بالغة الخطورة ببساطة شديدة مستنداً إلى منهج تحليلي منطقي واقعي ورؤية سياسية معاصرة معتدلة في غاية الشفافية والوضوح. وفي حلقة الجمعة 27/4/2007م من برنامج «مع هيكل» على قناة الجزيرة أشار محمد حسنين هيكل إلى أمر ف في غاية الخطورة والأهمية في المشهد العراقي الدامي ذلك هو موضوع «شركات الأمن الخاصة» أو«شركات الحماية» العاملة في العراق الآن بعلم وموافقة ومباركة قوات الاحتلال. بل ان«الحاكم المدني» السابق في العراق بول بريمر قد تعاقد مع عددٍ من هذه الشركات رسمياً حسب هيكل لأداء مهمات خاصة لحساب الجيش الأمريكي. ومعروف جداً للكثير من العراقيين والمهتمين بالشأن العراقي أن «شركات الأمن» أو«المقاولين» كما يطلق عليهم «من قبيل التحبب والتدليل!!» هم مرتزقة معاصرون وقتلة مأجورون ليس إلا..وقد أظهر السيد هيكل على الشاشة بكل وضوح كتاباً اسمه « المياه السوداء» صدر في أمريكا مؤخراً يتحدث عن هذه الشركات باعتبارها أمراً واقعاً وليس من قبيل الخيال القصصي البوليسي. أضف إلى ذلك أن العراقيين يعرفون جيداً هؤلاء «المقاولين» إذ يرونهم يومياً بملابس نصف مدنية ونصف عسكرية وسترات واقية من الرصاص يخرجون فوهات بنادقهم المتطورة جداً من نوافذ سياراتهم ذات الدفع الرباعي في حالة تأهب كما هي الصورة التقليدية لرجال المافيا في السينما الأمريكية بالضبط. ويعرف البغداديون أيضاً أن أحد أفخم فنادق بغداد قد خصص لسكن وإدارة أفراد هذه «الشركات». وأن «المقاولين» الأشاوس قد أبلوا بلاءً حسناً كما أشار هيكل في معارك الفلوجة الشهيرة وأنهم استخدموا كل أنواع الأسلحة المعروفة وغير المعروفة والمسموحة والمحظورة لتنفيذ انتقامهم من أهالي الفلوجة بعد مقتل ثلاثة منهم لدى مرورهم في المدينة. وكان هيكل واضحاً صريحاً بقوله "اني لاأحمل هذه الشركات ما يجري في العراق بل أحملها «أبشع» مايجري في العراق»... إذ إن اختصاصها القيام بالجرائم الوحشية الغامضة التي ينفذها رجل العصابات بحرفنة عالية يعجز عنها الجندي التقليدي. كما يعرف العراقيون جيداً أن أصوات طائرات الهليكوبتر الأمريكية كانت تسمع جيداً قبل وقوع الانفجارات المدوية التي يُسجل أغلبها على حساب «المليشيات الطائفية» وضمن أعمال «العنف المذهبي»..ويعرف العراقيون أن تفجير جسر فولاذي عملاق مثل جسر الصرافية الذي يحمل يومياً على كاهله منذ عقود من الزمن آلاف الأطنان دون أن ينوء بحملها لايمكن أن يكون أبداً من عمل المليشيات «الطائفية» التي لايُجيد أفرادها التصويب بالبنادق التقليدية الصدئة بل لابد أن يكون من عمل مهندسين عسكريين محترفين لهم خبرة كبيرة في هذا الميدان يعرفون كثيراً عن الجسور ومراكز ثقلها وكيفية بنائها وهدمها. كما يعرف العراقيون أيضاً أن أشخاصاً بريطانيين قد ضبطوا في البصرة متلبسين مع كمية لابأس بها من الأسلحة والمتفجرات في سيارة مدنية عراقية يرتدون الكوفية والعقال كأي عربي بدوي على طريقة صاحبنا القديم لورنس. ونعرف جيداً..ويعرفون.. لماذا إذن لانشرع في إعلام مكثف دؤوب يكشف عن مثل هذه الدسائس والشرور التي تُحاك بعناية فائقة ضد العراقيين لتؤسس للفرقة والبغضاء فيما بينهم؟ ولماذا ننخرط بدلاً من ذلك في تبادل التهم والشتائم المقذعة على رؤوس الأشهاد ومن شاشات الفضائيات في نقل حي مباشر؟ ولماذا لانستمع جيداً لما يقوله هيكل؟