جلستُ بجانب اثنين من الأصدقاء، واستمعت إلى ما دار بينهما من حديث عن الاستثمار الداخلي، وهذه الكلمة لم أسمعها من قبل لا في الإعلام الرسمي أو الحزبي والأهلي، ولم أقرأ كلمة "استثمار داخلي" في المجلات والصحف والمنشورات التي تهتم بالاستثمار والتجارة وتنقل أخبار ونشاطات رجال المال والأعمال.. وأحد هذين الصديقين اللذين لا أعرفهما ولكنني عرفت بأنهما صديقان من خلال الحديث عن سالف الأيام وزمن الطموحات التي كانت تراودهما ليستغلا ما لديهما من سيولة نقدية غير كافية طبعاً لإقامة مشاريع استثمارية اللهم إلا فتح محلات متوسطة وغير مختلفة عن المحلات الأخرى؛ أي التجارة في السلع المكتظة بها كل المدن والمحلات، أو فتح مطعم أو مقهى يرتاده في الغالب الذين يقضون ساعات طويلة بواحد شاي. ولاحظت أنهما يكرران ذكر بيت تجاري يحظى بالثقة عند الجميع بالنجاح في استثماراته وصناعاته وإدارته الحديثة جداً، فقالا إنهما كانا يسألان بعض من يعتقدون أنهم مقربون من بعض أو أحد أفراد هذا البيت المشهور عن ما إذا كانت لديهم مشاريع صناعية أو مالية أو تجارية جديدة يمكن أن تطرح فيها نسبة من الأسهم أمام الراغبين في ذلك، فكان جواب الثاني أنه قد سأل فعلاً أحد المساهمين معهم منذ سنوات طويلة في أحد المصانع، فقال له إنهم لا يمانعون في ذلك ولكنهم يخشون أن لا تبقى لهم هم أنفسهم نسبة إذا أعلنوا فتح باب المساهمة، وأكد له أنه شخصياً مستعد لبيع أو رهن البيت الذي يملكه وأرضيته التي قد باعها قبل فترة ويحتفظ بثمنها عنده انتظاراً لفرصة كهذه، فهو على ثقة تامة بأن من يشترك في أي مشروع يديره أو يقيمه هذا البيت وفق أحدث المواصفات وبعد دراسة وتصميم واستشارة أجنبية للجدوى فهو لن يكون قلقاً على ماله من الضياع أو الاحتيال اللذين كانا من سمة بعض الذين ظهروا في سنوات ما بعد الوحدة كأصحاب شركات عقارية وسمكية وتوفير وتجارة؛ وبأسلوبهم السحري دفعوا النساء لبيع ذهبهن وإيداع قيمته لديهم أملاً في الربح الموعود والمغري، وازداد إقبال الناس على تلك الشركات بعد توزيع أرباح وفوائد أول سنة، ولم يكونوا يعلمون بأن تلك ما كانت إلا حيلة لإفراغ جيوب الناس وخزائنهم من الأموال النقدية المدخرة منذ سنوات والحُلي والجنيهات الذهبية. ومازلنا نذكر هذه القضايا التي نظرتها المحاكم وحققت فيها النيابات وأجهزة الرقابة ولم يكن ذلك البنك الذي أعلن عن إفلاسه قبل عام إلا مثلاً صارخاً على النصب والاحتيال بالمليارات من الريالات العائدة إلى المودعين المغرر بهم بنفس الأسلوب. أما هؤلاء أي أصحاب البيت التجاري الكبير والأول في اليمن فقد تسابق الناس على أبوابهم طلباً لقبولهم كمساهمين في مشروعاتهم الصناعية الجديدة والتي تبلغ تكلفة الواحد منها عشرات المليارات لصناعة الاسمنت وتكرير البترول والسكر؛ ويتمنى لو أنه يحظى بذلك ويطمئن على ماله بأنه في أيدٍ أمينة، وأن أرباحه ستصل إليه دون عناء أو حضور الاجتماعات السنوية للجمعية العمومية. وأشار إلى عدد الذين حضروا أول اجتماع لمناقشة الحساب الختامي السنوي لإحدى شركاتهم الحديثة التي سيبدأ إنتاجها العام القادم بحيث لم يزد عن النصاب القانوني، فعقّب الثاني على كلام أحد المؤسسين الرئىسيين لها الذي قال: إن هذه الثقة شرف كبير لهم، أي عدم حضور الثلثين؛ إلا أنه كان يود أن يسمع مقترحات أو ملاحظات على تقرير المحاسب القانوني عن رأس المال والصرفيات والإنشاءات والزيارات للدول التي تم شراء الآلات والمعدات منها.. وما إذا كانوا سيوافقون على مجلس الإدارة أو يخلون مسؤوليته، فكان رد الحاضرين دون تردد: موافقون، وبارك الله فيكم. فهذا هو الاستثمار الداخلي الذي ينبغي أن يكون له نصيب الأسد من المشروعات الاستثمارية القادمة التي طرحت في مؤتمر الفرص الاستثمارية بصنعاء قبل أسابيع قليلة وبلغت مائة مشروع أقبل عليها المستثمرون الخليجيون ورجال الأعمال اليمنيون المغتربون هناك بحيث بلغت عدة مليارات من الدولات، وستتركز على حضرموت وعدن وصنعاء وفيما بعد المحافظات الأخرى كل بحسب توافر الفرص الاستثمارية الجديدة فيها بما في ذلك الاستثمار السياحي وتحلية المياه.