بعد 17 عاماً من إعلان الوحدة اليمنية ، لم تعد أية قيمة للسؤال عما إذا كنا نجحنا في وحدتنا أم لا ، إلا أن المنطق الأصوب للتساؤل هو : ماذا جنينا من الوحدة !؟ من حين لآخر نسمع من يتحدث عن إصلاح مسار الوحدة، ويتخذ من ذلك محوراً لجدل مثير لكثير من الحساسيات ، والنزعات ذات الصبغة المناطقية، أو الفئوية، وأحياناً تتوغل إلى جانب طائفي يضعنا أمام مسؤولية أن نسأل : يا ترى هل انحرف مسار الوحدة عما رسمته المواثيق الدستورية عشية الإعلان عن قيام الجمهورية اليمنية !؟ وما المقصود بتصحيح مسار الوحدة ؟ هل يريد المنادون به العودة إلى حالة التشطير وإعادة رسم مسار جديد للوحدة ، أم إعادة تجارب الممارسة الديمقراطية الانتخابية من أجل إعادة فرز القوى السياسية على خارطة جديدة داخل مجلس النواب طبقاً لما يرضي قناعة بعض الأطراف !؟ حتى هذه اللحظة لم يجرؤ أحد على وضع معنى دقيق لما هو مطلوب من قبل دعاة إعادة تصحيح مسار الوحدة، ذلك لأن القضية بحد ذاتها تفتقر للمنطق الجدلي السليم الذي تستمد منه شرعية الصمود أمام الرأي الآخر. لو كانت الوحدة اليمنية وليدة لحظتها التي انشق منها اتفاق 30 نوفمبر 1989م ، أو محض صنع لحظة رفع علم الجمهورية اليمنية بقاعة فلسطين في عدن لكان الأمر يحتمل التأويل إلى أنها كانت وليدة حالة وجدانية متسرعة .. لكن كل المعطيات والشواهد التي يقر بها الجميع بمن فيهم الذين أعلنوا الانفصال عام 1994م تستمد مفهوم الوحدة المتحققة يوم الثاني والعشرين من مايو 1990م من عدة حقائق ثابتة في مقدمتها ان ما حدث يوم 22 مايو لم يكن صناعة لحالة جديدة بقدر ما هو عودة إلى وضع طبيعي عاشته اليمن على مدار آلاف السنين .. وبالتالي فإن التشطير هو الوضع الطارئ غير الطبيعي فيما الوحدة هي الأصل الثابت. وعليه فان الوحدة اليمنية مثلت تصحيحاً لمسار التاريخ الذي انحرف نحو التشطير في فترة كانت اليمن فيها تمر بظروف عصيبة، تفوق قدرتها على منع وقوع الغزو ثم التشطير. أما الحقيقة الأخرى فهي ان إعادة تحقيق الوحدة جاءت بعد سنوات طويلة من العمل التفاوضي والاتفاقات واللقاءات المختلفة على مستويات متعددة من هرم السلطة في كلا الشطرين وبالتالي فإن الصيغة التي تم حكم اليمن بموجبها بعد يوم 22 مايو 1990م كانت صيغة اتفاق دقيق ومتأنٍ وليس فيه طرف مرغم عليه. بتقديري ان الوحدة اليمنية سلكت مسارها الطبيعي السليم إلا أن الأزمة التي نشبت لاحقاً كانت أحد أشكال افرازات الثقافة الشمولية التي فشلت في هضم وقبول مخرجات العمل السياسي الديمقراطي الذي أقرته اتفاقية الوحدة كأسلوب للعمل السياسي .. فقد اصطدم البعض بردود فعل شعبية لم يكن يتوقعها حين وجد نفسه بلا قواعد شعبية تناصره لحصد الأغلبية البرلمانية حتى داخل الحدود الجغرافية لرهانه السياسي. وفي الحقيقة لم يكن ممكناً للوحدة اليمنية ان تستقيم بغير قبول بنتائج الديمقراطية وبغير محاولة جميع القوى السياسية إعادة قراءة مفردات وضعها السياسي في ساحة العمل الوطني لدولة الوحدة .. إلا أنه مع الأسف الشديد وجدنا ان بعض القوى السياسية عندما وجدت نفسها في وضع مأزوم سعت إلى نقل أزمتها الداخلية إلى الساحة الوطنية، ثم التراجع عن التزاماتها الدستورية والقانونية بمحاولة العودة إلى التشطير ولو بقوة السلاح. الوحدة اليمنية شقت طريقها على نحو مذهل للمجتمع الدولي واستطاعت التغلب على تحدياتها ولم يكن هناك ما يحتاج إلى التصحيح سوى مناهج عمل بعض القوى السياسية التي اخفقت في مواكبة الحدث وهضم تطوراته الطبيعية خاصة مسألة التنافس الديمقراطي والتحولات الفكرية التي تطور اليها الوعي الانساني للمواطن اليمني.