ليس في العالم من يصف الديمقراطية بأنها علم ، وبالتالي لن يكون هناك بالمقابل من يضمن صوابية ممارساتها ، أو سلامة مخرجاتها مادام الوصف السائد لها هو أنها «سلوك» أو «ممارسة». هناك ثلاث فئات بشرية ترتبط بموضوع الديمقراطية ، الأولى: هم صناع الديمقراطية ، وهؤلاء يمثلون الزعماء والسياسيين الذين إما يكون لهم فضل تبني الخيار الديمقراطي ، أو النضال الإيجابي الذي يدفع السلطات إلى المثول لدعواتهم وتطبيق النهج الديمقراطي.. الفئة الثانية: هم الديمقراطيون وهؤلاء يتوزعون إلى قسمين بين من يأخذ على عاتقه السعي لغرس قيم الديمقراطية وتعزيز ممارساتها ، وبين المؤمنين بها ويحاولون ممارستها وتنميتها في سلوكهم وتعاملاتهم. أما الفئة الثالثة فهم أدعياء الديمقراطية أي الذين يتخذون من الديمقراطية شعاراً للوصول إلى مآربهم ، وكسب مصالحهم الشخصية أو الفئوية .. وهؤلاء هم موضوع حديثنا لأنهم يمثلون الخطر الأعظم على الديمقراطية ومساراتها ، ومخرجاتها التنموية لأننا نفهم الديمقراطية على أنها أداة للتنمية. في واقعنا اليمني صار بوسعنا رؤية أمثلة لاحصر لها من أدعياء الديمقراطية.. فهناك قوى سياسية تبيح لنفسها حق مساءلة السلطة حتى عن الأصناف التي تتناولها في وجبة الغداء بينما تعتبر المطالبة بكشف حساباتها تدخلاً بشئونها ، وابتزازاً وغير ذلك.. وهي ايضاً تتخذ من الديمقراطية مظلة لمطالب غير مشروعة ، فتطالب بحق التواصل مع الدول والسفارات الخارجية أسوة بالسلطة رغم أنها لاتمتلك ثقة الجماهير بتمثيلها خارجياً.. هذه القوى تريد الإطلاع على أدق أسرار الدولة الأمنية القومية ، رغم أنها لم تمنح الثقة الشعبية لتكون مأمونة على أسرار البلد ، وغير مسؤولة دستورياً عن الإخفاق أو النجاح في هذه السياسات.. وتريد أن تفرض نفسها في كل تفاصيل خطط الدولة مع أن من حق أي حزب يفوز بالأغلبية تطبيق برنامجه الانتخابي وتحمل مسؤوليته الكاملة طبقاً للوائح الدستورية. مثل هؤلاء يسوقون مطالبهم ، ورغباتهم تحت شعارات ديمقراطية وحقوقية مراهنين على ضعف الوعي الديمقراطي في المجتمع ، وعدم قدرة الأغلبية على تحديد مدى تعارض ذلك مع أصول العمل الديمقراطي والقوانين واللوائح الدستورية.. وهي بالتالي تستفيد من هذا المناخ ليس فقط في بلوغ مصالح محدودة ، بل كذلك في تعطيل أو عرقلة برامج الطرف الآخر في السلطة.. فتتحول هذه الممارسات إلى عبء على الديمقراطية والتنمية معاً.. والأمر ليس قاصراً على الأحزاب والتنظيمات السياسية بل يتعداه إلى منظمات مجتمع مدني تتخذ من رواج مفاهيم حقوقية معينة في المجتمع الدولي سبيلاً لمسخ ثقافة المجتمع ، أو ابتزازه ، أو زعزعة حراكه الطبيعي .. وهي تجد فيما تعمل أسلوباً لكسب العيش ، أو الإثراء غير المشروع دونما اكتراث لأية مصالح عامة ، أو قيم اخلاقية وعقائدية تمثل صميم هوية المجتمع الوطنية. وواقع الحال ينجر أيضاً إلى القطاع الإعلامي الذي تنامت في ظل الحريات الممنوحة له الثقافة الصفراء القائمة على الترصد ، والادعاء ، والابتزاز.. كما أمتد الاثر إلى الاتحادات الطلابية والنقابات والاتحادات المهنية وغيرها من الصيغ التي تمثل بعض واجهات الديمقراطية. وعلى الرغم من خطورة ظاهرة أدعياء الديمقراطية إلا إن علاجها ليس مستحيلاً.. ويكمن في تعزيز قوة وفاعلية الأحكام القانونية والدستورية التي لدى الدولة ، وتمسك الدولة في موقفها من رفض أية مساومات ، أو مشاريع ابتزازية مهما كلفها ذلك من إحراج.. حيث إن استشراء الظاهرة يرتبط بشدة بتراخي حزم الآخر ، وسحبه للشفافية على الجانب القانوني رغم أنه مشرع على أساس عدم قبوله التأويل والتحوير باعتباره يمثل السلطة العليا للبلد. الديمقراطية في اليمن أصبحت بحاجة ماسة إلى الحماية القانونية لأننا وجدنا في الآونة الأخيرة من بات يتطاول على الثوابت الوطنية كالوحدة ويحاول تزييف حقائقها وقلب معادلاتها ليتحول زعماء الانفصال إلى آباء للوحدة ، فيما يتحول صناعها الحقيقيون إلى متآمرين ومغتصبين ، ونخشى مانخشاه أن يطال ادعياء الديمقراطية حقائق الثورة اليمنية ، والانتماء والتاريخ ، وإذا بهم ينكرون على اليمنيين حق مواطنتهم !!.