وصف المولى عز وجل أمة الإسلام بأنها خير أمة أخرجت للناس وأثنى عليها في آيات قرآنية عديدة كونها أمة الحبيب محمد النبي الأمي الذي ختم الله به الأنبياء والرسل ومنحه المنزلة والمكانة الرفيعة والتي أهلته لأن يأم كافة الأنبياء والمرسلين هناك في بيت المقدس ليلة أُسري به ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى،وجاء وصف الخالق عز وجل لأمة الإسلام بالخير استناداً إلى القيم الفضلى والسلوكيات النبيلة والإيمانية التي يمارسها أبناء الإسلام وفي مقدمتها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال تعالى «كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر» لما لهذه الفضيلة من أهمية بالغة في إشاعة قيم الخير والعدل وتوطيد دعائم الاستقرار والطمأنينة في أوساط المجتمعات كضرورة حتمية لايمكن أن يستقيم حال المجتمعات العربية إلا بإعمالها وترجمتها على أرض الواقع. وقد أرجعت الشريعة الإسلامية مسؤولية ممارسة هذا الدور التنويري والإرشادي لأصحاب الحل والعقد من العلماء والفقهاء والقضاة ممن يُشهد لهم بالخير والصلاح والعفة والنزاهة فهم الأكثر إلماماً بمقتضيات الشريعة الإسلامية وأحكامها وهم أصحاب الخبرة في حل وفض النزاعات والصراعات التي تنشأ بين الجماعات والأفراد كونهم يتمتعون بالهيبة التي زرعها المولى عز وجل في قلوب عباده ويحتلون مكانة بارزة ويحظون بتقدير واحترام واسع في كل بلدان العالم العربي والإسلامي استناداً إلى الإسهام الطيب الذي يقدمونه لإسعاد البشرية وتبصيرها بدروب الخير والصلاح والفلاح إضافة إلى كل ذلك فإن الرسول الأعظم وصفهم بأنهم ورثة الأنبياء في التبليغ والدعوة إلى طاعة الله ووحدانيته والامتثال لأوامره والتحذير من مغبة الانجرار خلف طرق الغواية والضلال التي تقود إلى الهاوية والهلاك والخسران في الدنيا والآخرة. والمتأمل في واقع الأمة العربية والإسلامية اليوم وما تشهده من نكبات ومآس يندى لها الجبين.. مصائب جعلت من الإخوة والأشقاء أعداءً يُشهر كل طرفٍ السلاح في وجه الآخر انتصاراً لأطماع شخصية ومصالح دنيوية زائفة يزهقون أرواح بعضهم بعضاً يحيدون بالبندقية عن مسارها الصحيح لمقارعة المحتل وجهاده لاستعادة الأرض والسيادة والشرعية، ينسفون كل صور النضال والبطولة والتضحية التي سطروها في ميادين وجبهات المواجهة في جنين وغزة والخليل والضفة وأريحا والقدس وبيت حانون وخان يونس هكذا هو المشهد المؤلم الذي تطالعنا به شاشات الفضائيات وصفحات الصحف والمواقع الالكترونية لواقع المرارة الذي يعيشه الشارع الفلسطيني،وقس على ذلك بقية الدول العربية والإسلامية وما تشهده من منغصات وخلافات وتباينات قصمت ظهر الوحدة العربية والتضامن الإسلامي ،ونالت من لحمة وتماسك وتعاضد أبناء الجسد الواحد،حتى غدا الواحد منا يتربص بأخيه الدوائر ويحيك ضده المؤامرات لدرجة قد تدفعه إلى التحالف مع العدو الأكثر خطورة وتأثيراً على الدين والأمة جمعاء في سبيل الانتصار على أخيه وجاره..وأمام هذا الوضع بات من الواجب والفرض العين أن يكون لعلماء الأمة العربية والإسلامية وفقهائها ممن حباهم المولى عز وجل حب واحترام الناس وصار لهم تأثيراً كبيراً في الساحة العربية والعالمية أن تكون لهم كلمة وتدخل عاجل لتعميق أواصر الوحدة الإسلامية وجمع كافة الأطراف المتباينة على طاولة واحدة والمضي بهم نحو حلول ناجعة من شأنها إيقاف نزيف الدم وإنهاء كافة مظاهر القتل والدمار الأخوي الذي يريح الأعداد ويشعرهم بنصر معنوي يمثل بالنسبة لهم حافزاً لمواصلة مسلسل الإبادة والعربدة في حق أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل،واستخدام كافة الوسائل والسبل لإرغام قادة فتح وحماس على العودة إلى جادة الحق والصواب وتحريم إراقة الدم الفلسطيني بأيدٍ فلسطينية كونها ممارسات تغضب الله ورسوله ومنكراً سيحاسب على تبعاته الجميع وفي مقدمتهم القادة. وعلى العلماء التحلي بالصبر والمرونة وسعة الصدر في مساعيهم الخيرة للصلح وتجاوز الأزمة وامتصاص كل المنغصات التي قد تُفضي إلى إفشال مساعي الحوار وجهود المصالحة وخصوصاً أن المشكلة تتفاقم ومخاطرها بدأت بالاتساع وصار من الواجب شرعاً إغلاق هذه الصفحة السوداء في تاريخ النضال والمقاومة الفلسطينية التي تنال من قدسية القضية الفلسطينية قضية العرب والمسلمين الأولى. أملنا أن يتجاوب علماؤنا الأفاضل مع النداءات والاستغاثات المتكررة لعمل ماعجزت عنه دهاليز السياسة والدبلوماسية العربية والإسلامية فهم الأقدر على ذلك ولتكن فلسطين الانطلاقة الأولى مروراً ب« لبنان والسودان والصومال والعراق» وليتذكروا قول المصطفى عليه الصلاة والسلام«لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيدعوا خياركم فلا يستجاب لهم». جنبنا الله وإياكم جميعاً شر الأشرار وكيد الفجار،سائلين منه جل وعلا أن ينعم على الأمة العربية والإسلامية بالصلاح والخير والوحدة والسؤدد وأن تتجاوز محنتها وتستعيد مجدها وشموخها وريادتها. إنه تعالى سميع مجيب الدعاء....