حملت أخت موسى أخاها الذي يصيح من الجوع، محمولاً بتعاطف نادر من هذه الأم الجديدة التي قذف الله في قلبها حب موسى، وهي امرأة فرعون، وأعمى بصيرة رجال فرعون من أن يتعقبوا حياته، لتمضي حكمة الله، ففرحت الأم بوليدها، شاكرة ربها الذي أنجز ما وعد، بينما مضى طاغوت مصر يقتل بني اسرائيل، الرجال ويستحيي النساء، حتى إذا ما استوى موسى على سوقه رجلاً، شرّفه الله بالرسالة. وكان هذا العدو اللدود هو الذي أشرف على طعامه وشرابه وحاجاته، ليكون مميزاً في الأسرة، يحتل مكانة الولد الحبيب وقرّة العين الأثير؛ ولم يدر الفرعون أن هذا الطفل الذي التقطه رجاله سيكون له ولهم عدواً وحزناً، كما وصف القرآن الكريم. لقد كان يجري بين الفرعون وموسى حوار كما هي العادة بين الآباء والأبناء: - إن المصريين يعتبرونك إلهاً. - وهل هناك من إله غيري يا موسى؟!. - الإله أيها الفرعون العظيم هو الذي يحيي ويميت. - وأنا أحيي وأميت. -كيف؟!. - من أردت أن يموت حكمت عليه بالموت، ومن أردت له الحياة تركته حياً!. - هل تستطيع أن تخلق حياة من عدم؟!. - ما هذا الهراء الذي تقوله يا فتى؟!. موجهاً الكلام لزوجه: - ألا تجيدين معنى التربية؟! وينصرف غاضباً. ولما أراد الله أن يحرر الاسرائيليين من عبودية فرعون أوحى الله إلى موسى بالرسالة، يدعوه إلى التوحيد بالله تعالى، لأنه الخليق بالعبادة باعتباره المحيي المميت، مدبر الأقوات، الرازق عباده، جاعل الظلمات والنور. إننا نقف عند هذه الحكمة الإلهية التي أراد الله أن يمضيها، حيث جعل أسباب الهلاك أسباباً للحياة، وجعل فرعون الذي يقتل بني اسرائيل، محافظاً عليه ويعيش معه في قصره كولد حبيب. فالأسباب يخلقها الله، ليصرّفها كما يشاء، فهو القادر على أن يتصرف بكونه كما يريد، فلا معقّب لحكمه.