قصّة واحدة من قصص المعيّة الإلهية، تعيد كثيراً من المواعظ والعبر إلى قلب المؤمن بربه، إنها قصة موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام. كان فرعون مصر «ملكها» قد عدّ نفسه إلهاً لكل المصريين، فهو الذي يملك الأمر والنهي، وله حق القبول والرفض، وهو الوحيد الذي له مقاليد خيرات مصر، يعطيها من يشاء ويمنعها عمّن يشاء. هذا الإله الذي سأل هذا السؤال التقريري: «أليس لي حكم مصر، وهذه الأنهار تجري من تحتي؟!» فإذا كان هذا الفرعون قد وصل إلى هذه الدرجة من النفوذ، فإنه لا يرضى ولن يرضى أحداً يشاركه في هذا الملك وهذه الألوهية؛ غير أنه يظل أولاً وأخيراً إنساناً، يعترىه ما يعتري الإنسان من خوف وهلع على زوال سلطة استحقها رضاً أو بالإكراه. فكان أن عمد إلى هذه الكهانة والسحر في سبيل أن يظل مطمئناً على سلطانه، فحشد الكهان في بلاطه من كل أنحاء مصر؛ يستشيرهم ويسألهم إن كان ملكه سوف يخلّد أو هو معرض للزوال، فأجمع الكهان والسحار على أن نهاية ملكه ستكون على يد رجل من بني اسرائيل، فأمر من فوره أن يُقتل كل بني اسرائيل من الرجال والأطفال حتى الذين هم حديثو ولادة!!. فكان أن خافت أم موسى على وليدها من القتل، فأوحى الله إليها أن تضعه في صندوق؛ وتلقيه في نهر النيل، فكان أن التقطه رجال فرعون بعدما شاهدوا عليه من آيات وكرامات جعلتهم يحسبون أنه لابد من أن يكون بين يدي ربهم الكبير. وقال بعض المفسرين إن هلع فرعون وخوفه على زوال ملكه قد حفّزه على أن يكون إعدام كل اسرائىلي على مرأى ومسمع منه، غير أن زوج الفرعون طلبت - وقد كانت لا تنجب - أن لا يقتل «عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا». وحرم الله عليه المراضع؛ فالطفل يكاد أن يموت جوعاً، لأن نساء كثيرات عرضن عليه صدورهن للإرضاع؛ فرفض الوليد؛ بينما أم موسى تتحرق لفقد رضيعها، فكان أن مضت حكمة الله تعالى. فتمكنت أخت موسى من دخول قصر الفرعون بعد أن قذف الله حب موسى في قلب زوجة الفرعون التي نزلت عند رأي أخت موسى في أن تذهب به إلى امرأة تستطيع إرضاعه «فرجعناك إلى أمك لتقر عينها ولا تحزن». وغداً نكمل..