بحسب جلال الدين الرومي تكون مشيئة الخالق التي أجلت كنوزه المخفية قد وصلتنا عبر أنبيائه وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك هو السبب والعلة الأولى لخلق العالم، واستتباعاً لذلك يقول «ويليام جيتك» وهو أحد الشارحين الكبار لملحمة الرومي.. يقول «إن كل لحظة وكل نشاط ناجم عن تلك البدايات الأولى وإن كل أشكال العوالم ليست إلا انعكاساً لحقيقة الواحدية الإلهية» إن الموضوع الجوهري في فكر جلال الدين الرومي يتموضع في رؤى محيى الدين بن عربي وهي رؤى تمازج بين اللاهوت والناسوت والخلق والذي على المستوى الطبيعي يتجلى في الحقيقة الآدمية «الناسوتية» واستتباعاً لذلك فإن كل مخلوق هو ترميز للخالق والخلق.. يشبه الرومي المخلوق بالمرآة التي تعكس جوهراً أشمل وأكبر. يقول الشاعر مخاطباً الإنسان: وتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر نظرية الحب الإلهي لجلال الدين الرومي مستمدة من قول الحق:« الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتفكرون» وسنرى أن قراءة متمعنة لأعمال الرومي تضعنا في واحدية مفهومي الحب والجمال. الجميل اسم من أسماء الله الحسنى والله «جميل يحب الجمال» والجمال يتمثل أيضاً في تلك الغنائية البصرية التي تتجلى في صفاء السماوات الزرقاء وروائح الورود الزكية، ومدهشات المروج الخضراء يقول الرومي: مدهشات الحدائق، غناء السحاب، وبين الورود..كنت شاهداً غائباً فيك». الجمال بحسب الرومي سبب حاسم للحب، والجمال محبوب لذاته في ذاته، فالله الجميل يُحب لذاته، والحب بهذا المعنى قوة ديناميكية كفيلة بأن تجعل المحب في حالة حراك نحو مايحب متأثراً بالجاذبية المغناطيسية للمحبة، وبهذا المعنى يكون منخطفاً صوب الهدف الذي يرنو إليه..يقول «المخلوقات تتموسق مع الحب، الحب يغيم مع الأزلية حيث لا بداية تماماً كالرياح تتراقص متهاديةً مع الوسط المحيط، فيما الأشجار تتحرك بسبب تلك الرياح».