أعتقد جازماً أن المقاولين هم أكبر خزانة للأسرار.. وأن بعضهم يمتلكون الشفرة السرية للوصول إلى كبار الفاسدين.. وكثيراً ما تختفي الأموال العامة بين مسئول فاسد ومقاول أكثر فساداً.. وبين المسئول والمقاول يكون هناك مهندس لا يقل عنهما استعداداً لبيع ذمته. والقارئ لخارطة المقاولات والمقاولين سيجد أن هناك المقاول الرئيس ومقاولاً من الباطن، الأول يعقد الصفقة مع الجهة ويحدد ما له وما عليه والثاني ينفذ لصالح المقاول الأول.. ووسط التفاصيل يربح الجميع وتخسر البلاد وأهلها. المقاول الأول يلعب بذمة مسئول الجهة الذي يوقع معه العقد ويستفيد من المقاول بالباطن والأخير لا يقدم خبرته إلا بالفائدة وهذا حقه.. وليس هذا هو المهم. المهم أن المقاول الرئيس يرشي المسئول على ذمة عقد لا يتصف بالشفافية ويترك للمقاول أن يأخذ أضعاف أضعاف مايستحقه مقابل رشوة يتم اقتطاعها من مواصفات المشروع في صورة «فلّه» مثلاً. ومايسهل عملية الفساد ضعف واضح في نفوس قائمين على جهاز فني وهندسي يوازي خراب ذمة الاداري.. ويلاحظ ذلك في عدم تفحص كفاءة الشركة المنفذة.. وتجاهل البرنامج الزمني والمواصفات وتواريخ التسديد واصطناع العراقيل التي تبرر تأخير تسليم المشروع والتذرع بزيادة أسعار مواد البناء واحتكار الموردين. وراء كل مشروع متعثر أنفقت البلاد عليه أضعاف قيمته حالة فساد أطرافها مسئول ومقاول ومهندس تجمعهم ذمة خارج الخدمة وضمير ميت ورقابة منفلتة.