أكثر من دولة عربية شكلت هيئة أو مؤسسة لمكافحة الفساد … أولها في بلادنا الأردن قبل حوالي عقدين من الزمن . كانت دائرة متواضعة من دوائر المخابرات العامة وقد انجزت الكثير في زمنها … تطور الفساد فأنشأنا له دائرة مستقلة بكادر يوازي مديرية شرطة ودائرة ادعاء عام بالإضافة لموظفي الضابطة العدلية … أحدث هيئة لمكافحة الفساد العربي نشأت في الكويت واقسم أعضاؤها اليمين الدستورية أمام أمير البلاد قبل ايام وقد جاءت استجابة لمطالب المعارضة الكويتية وشارعها … هذه ظاهرة غريبة ليست موجودة في البلدان المتقدمة ولا البلدان النامية … هذا لا يعني أن أكبر الدول المتقدمة حضاريا ً واقتصاديا ً وعسكريا ً خالية من الفساد وملحقاته من رشوة واختلاس وسرقة أموال ولكن قوانين تلك الدول وعلى مر العصور تعالج موضوع الفساد مثل أي جريمة تحدث في بلادها ابتداء ً من مخالفة السير وانتهاء بجريمة القتل أو السرقة الكبرى … وهي تمد ذراعها لمكافحة هذه الظاهرة التي يرتكبها مواطنيها في دول أخرى وتكون لها علاقة بشركات ومؤسسات ومسؤولين في الدولة الأم . أجهزة الأمن العام في تلك الدول تملك من الصلاحيات في التحقيق والمتابعة ما تملكه جميع اجهزة مكافحة الفساد العربي التي استقلت في دوائر وهيئات تتابع شبهة الفساد على المسؤولين في القطاع العام والخاص لإثباتها أو نفيها … مثل قضية الفساد في شبكة الهاتف المصرية التي عولجت في النمسا حيث بلد المقاول الذي حوكم بتهمة تقديم رشوة لمسؤولين مصريين زمن السادات . في ذلك العالم المتقدم ومنه جيراننا الأعداء في اسرائيل تمتد صلاحية المحامي العام للدولة بمحاكمة رئيسها وقادة أجهزتها الأمنية ببلاغ الى الشرطة التي تقوم بالتحقيق ولها صلاحية التوقيف لحين استكمال التحقيق وارساله الى المحكمة … بالكاد افلت مجموعة من رؤساء الأجهزة الأمنية بعفو خاص من رئيس الدولة بعد قتلهم للفدائيين العرب الأحياء في حادثة الباص رقم 300 ولم يسلم رئيس الدولة من المحاكمة والعقوبة لأنه تحرش بسكرتيراته خلال رئاسته … ترى هل عجزت الأجهزة الأمنية العربية عن اكتشاف وملاحقة الفاسدين كما هو حالها في ملاحقة لصوص المنازل وسارقي السيارات والمتاجرين بالمخدرات وأبطال جرائم القتل الغامضة ؟؟؟ . هل نسينا ابداعهم في مكافحة الارهاب وتجفيف منابعه ؟؟ وهم عاجزون عن تفحّص عشرات الصفقات المالية التي يذهب نصفها الى جيوب الفاسدين … لقد ولّد هذا الكسل والتراخي في العقل الجمعي شبهة المؤامرة بين الفاسد والأجهزة الأمنية حتى أصبح المواطن يتندّر بطرفة الرجل الذي احيل الى المحكمة بتهمة سرقة حبة علكة من متجر وبين الرجل الذي سرق الالاف والملايين وبقي يجول ويصول في الشارع وهو يعرف أنه عصّي على الذراع الأمني الذي ينفّذ القانون … ترى أية هيئات ومؤسسات ستبتكرها بعض الدول لمكافحة الجديد من الجرائم والتجاوزات التي تعصف بمجتمعها ؟؟؟