الحوار هو الخيار الأفضل ، لأنه يضعنا في قلب الاستحقاق العالمي للخروج من حالة الخصومات المفتعلة إلى الفعل البناء .. الحوار تجوال في أروقة التاريخ ونواميسه ، واستنطاق لذاكرة المكان والزمان ، واستقراء لأسباب النماء إن وجدت ، وُمقدمات الانحسار والسقوط إن حدثت . إنه الطريق الذي يسمح لنا بالتقاط الخيط الرفيع الذي يربطنا بالزمن ، ويجعلنا على يقين بأنه لا تقدم للبشرية ، ولا خروج من انفاق الظلامات والمتاهات بدون الحوار والتكامل والتعاون. الحوار سعى لتحقيق الرؤى المنطقية ، ولتكريس ثقافة التفاهم .. لمكافحة ثقافة العنف والإلغاء والاستبداد ، وهو إلى ذلك إشارة دالة على طريق الضرورة الموضوعية التي نحن في أمس الحاجة إليها اليوم أكثر من أي وقت مضى. إن وقفة متأنية أمام مفردات الحوار اللازم يجعلنا نحلق في آفاق الحلم الإنساني الكبير ، ذلك الحلم الذي تاق دوماً إلى زمن تنعتق فيه البشرية من الدمار والتدمير ، وتعانق فيه حقائق الأرض وحكمة السماء ، وتسير فيه على درب الأنبياء والشهداء والصالحين ، ممن قدّموا لنا المثال والبيان ، ووضعونا أمام الفطرة السليمة، والسوية العقلية التي كرّمنا الله بها. التداول الحواري سيبقى راكزاً في أساس وتضاعيف الموضوعات الجدلية ، ابتداء من الحوار بين الأديان ، مروراً بشواهد التآلف والتكامل الإنساني ثقافياً وإبداعياً ، وحتى الظواهر العالمية المعاصرة التي تعيد إنتاج التاريخ وتداخلات الأنساق الثقافية ، كالهجرة العالمية حمّالة الأبعاد والتحديات ، والحركة الدؤوبة المستمرة لعناصر القيم المادية والروحية العابرة للقارت ، مما يضعنا جميعاً أمام استحقاقات موحدة وواضحة. وإلى ذلك فإن العولمة كظاهرة موضوعية وبعناصرها السلبية والايجابية تطالبنا بتنمية الايجابيات والحد من السلبيات. يتساوى في الأثر والتأثر الجميع ، فالغازات السامة الملوثة للبيئة لاتعرف حدوداً وجغرافيا ، وارتفاع منسوب الحرارة الكوني من خلال الاحتباس وارتفاع معدلات غاز ثاني اكسيد الكربون لا توقّر أحداً إذا ما حلت الكارثة لا سمح الله ، وانتشار الحروب لا يقلق طرفاً بذاته ، بل كل العالم ، واستمرار لغو الحديث المقرون بالتعصب والهيمنة من شأنه أن يدمر الجميع. لهذه الأسباب مجتمعة لا مخرج لنا سوى ثقافة السلم والتضامن المقرونة بالحكمة .. تلك الثقافة التي تسهم في انعتاق البشرية من تواريخ المظالم والحروب والمركزيات العنصرية والدينية. هذا هو الطريق الأسلم لنا جميعاً ، فالكلمة البناءة تتحول إلى قوة خارقة ، وهي لا تخرج من منطق الاستيهامات الصغيرة والتعصبات المتجنحة ، بل من خلال الفكر والتأمل واستنطاق الحكمة ، وتلك هي الحقيقة التي تعلو فوق الاخفاقات والعثرات.