في مُلتقى الرواية العربية الذي نظمته دائرة الثقافة والإعلام بحكومة الشارقة وبمشاركة كوكبة من المستعربين والروائيين والنقاد كان العنوان الرئيس مثار البحث والتداول مُتصلاً بعمق الذهنية والواقعية لثقافة التاريخ، فالحديث عن الأنا والآخر يتّسع للماضي والحاضر، فيما يتمدد في المستقبل المنظور، ذلك أنه حديث يثقل على كاهل الآداب الإنسانية بأشكالها الفكرية والابداعية، ويُعيد انتاج تواريخ المتاهات البشرية التي اقترنت بالايديولوجيات والمركزيات، وصولاً إلى العنصرية المُعلنة والمستترة. كان حواراً بناء ذلك الذي تم تداوله على مدى أيام المُلتقى الثلاثة، ولقد توافق الحضور المُشارك على جملة الالتباسات المفاهيمية والنظرية التي تحيط بهذه الثنائية القلقة، فالآخر ليس سياقاً لتقابل بين طرفين افتراضيين وواقعيين أيضاً، بل هو سياق حوار داخلي مداه التشظي والحيرة الوجودية، بل أيضاً وفي أفق ما، البحث عن خلاص فردي من خلال استغوار الذات وفضاءاتها الموصولة بتقبُّل أنماط الثقافات الإنسانية وتعددها، وعلى المستوى الايديولوجي الذي ترافق مع افرازات الحروب التاريخية، والتماس المتوتر بين العرب والمسلمين من جهة، واوروبا التاريخية بامتداداتها القارية الأمريكية من جهة أخرى.. على تلك المستويات كان لا بد من الإمساك بالفاصل العقلي المنطقي بين الثقافة «الغيرية» المُسيّجة بايديولوجيا التعصب واستيهام الأفضلية الدينية والعرقية.. أيضاً الفاصل بين «الغرب» بوصفه مُنتجاً للسياسة والايديولوجيا والمركزيات، وبين أوروبا وأمريكا الراهنتين بوصفهما حاضناً كبيراً للتعدديات الإثنية والثقافية والدينية، وبما يتوازى مع قوانين وضعية تستوعب الحالة، وتغادر مألوف الماضي البعيد إلى عصر يتجدد بمرئياته وأنساق خطابه وثقافته.. كانت الرواية العربية وما زالت حاضرة في أساس هذا المشهد وتداعياته، فالرواية كجنس أدبي موصولة جبراً بالخطاب والرؤى والآمال والتوق، وهي إلى ذلك مُعادل لحوار الأنا الإنسانية المركوزة في تضاعيف المشهد وأحواله، وقد كانت الرواية العربية كغيرها من الآداب الإنسانية تستدعي هذه المقولة دونما إهدار للمسافة بين الإبداع والخطاب، والحال فإن الآداب الروائية الإنسانية كانت وما زالت على تناص مؤكد مع السرديات العربية، وبنفس القدر كان لتاريخ الأدب العربي ومازال وهجه الخاص في ثقافة السرد العربية. . ما نقوله هنا ليس إلا بعض تداولات المُلتقى الذي خرج بجملة من التوصيات التي صبت في ذات المجرى.