تستحق أحزاب المعارضة التحية حين تناضل لإثبات وجودها في الساحة السياسية لأي بلد ، وتمارس حقها في التفكير والتعبير والمساهمة في التغيير عبر تقييم الحال وتقويم الاختلال ، والضغط على الحزب أو الأحزاب الحاكمة باتجاه المصلحة العامة ، وبما يحقق جدوى التعددية السياسية الحزبية ويترجم جدوى الديمقراطية بوصفها نظام التداول السلمي للسلطة عبر التنافس السياسي الانتخابي على تقديم الأفضل للشعب وتبعاً للوطن. أحزاب المعارضة تستحق خالص التحية حين تضطلع بدور شريك الحاكم في الحياة السياسية وضبط ايقاع تنمية المصلحة العامة وبمسئولية معارضة الحاكم في أي نشوز لهذا الإيقاع ، ومن حقها وواجبها أن تفعل هذا ، وأن تستخدم كل مايمكنها لممارسة دورها من وسائل تعبير وضغط لاتلبسها شبهة الابتزاز ولا تورطها في جنحة اعاقة الانفراج ولاتخنقها في زاوية اعتراض المصالح العامة أو تسبيب إعراض الحاكم عن سعي تحقيقها وتنميتها. وقد استحقت أحزاب المعارضة اليمنية بمختلف أطيافها ، تحية العالم في سبتمبر 2006م لأنها باتفاق جميع المراقبين والمتابعين ، عكست في الانتخابات الرئاسية الأخيرة نضجاً فعلياً للديمقراطية في اليمن ، فاستطاعت أن تسهم في تشكيل وعي ديمقراطي محلي ، وفي تجسيد تنافس سياسي انتخابي حقيقي بساحة التداول السلمي للسلطة ، بصرف النظر عما شاب المنافسة من انفعالات واتهامات وحدة خطابات المهرجانات الانتخابية ، فجميع المرشحين فعلوا. كم كنت ولازلت اتمنى على الأحزاب الوطنية في الساحة المحلية «معارضة وموالاة» أن تظهر مسئولية أكبر ، وتتقبل نتائج الانتخابات الرئاسية بروح ديمقراطية عالية ، لا أظنها تفتقدها كثيراً، وتجعل من البرنامج الانتخابي لمنافسها الفائز محور نشاطها الرقابي وضغطها السياسي ومرجعية تحتكم إليها في معارضتها وتأدية دورها في ضمان تحقق الغاية الكبرى من الديمقراطية ، وأعني ضمان التزام الحزب الفائز بتنفيذ جملة تعاهدات برنامجه والتزاماته للشعب. لاضير ابداً في ذلك ، ولاينقص مطلقاً من قدر المعارضة أو يتنافى مع مفهومها وطبيعة دورها ، إن فعلت هذا ، وأعانت منافسها الحاكم في انجاز ما ترى أنه يعود بمصلحة عامة للشعب والوطن بل على العكس ، هي بذلك تجسد حقيقة دور المعارضة في أي مجتمع ديمقراطي ، وتجسد بالبرهان الساطع والفعل الصادح أهمية وجدوى التعددية السياسية الحزبية ، ومثلى قيم الديمقراطية في أحلى صورها وازهى ممارستها. ويأسف المتابع لما آلت إليه الأمور منذ انفضاض مولد الانتخابات ، وانصراف احزاب المعارضة عن دورها سالف الذكر إلى خوض مهاترات جانبية وتجاذبات ثانوية تقحم البلاد في اضطرابات قد تزعزع الأرضية الواحدة التي يقف عليها الجميع ، وتسهم بشكل أو بآخر في استدعاء ازمات سياسية وتهييج احتقانات شعبية ، من شأنها إعاقة تحقيق الغاية الكبرى من العملية الديمقراطية والانتخابات ، وأعني تنفيذ البرنامج الانتخابي الفائز. حتى في اسوأ الانظمة السياسية الحاكمة شمولية وتسلطاً واستبداداً وقمعاً وفساداً ، تنظر المعارضة الوطنية المسئولة بحق لأبعاد نشاطها ، وتحسب سلفاً عواقب ممارستها وترجح كفة الخيارات المحققة للشعب والوطن أكثر المنافع بأقل الاضرار ، فتتوخى كافة السبل المواتية لذلك بدءاً من ترتيب الأولويات ، واختيار التوقيت المناسب لطرحها ، وتوجيه الخطاب المناسب ، واستخدام الوسائل الأكثر تناسباً وقدرة على تحقيق غايتها الإصلاحية السامية. لطالما كانت الأحزاب السياسية مؤسسات نظام وانتظام المجتمع وحراكه ونقاشاته ورؤاه عبر كونها قنوات تنظيم وتعبير وتغيير نظامية تؤكد على المدنية وتسهم عبر مناشطها في اذابة الولاءات الثانوية وصهرها في ولاء واحد للوطن ، وفي تذليل تحول المجتمع التقليدي «العشائري والقبلي» إلى مجتمع مدني يشارك في حكم وإدارة شئونه عبر شراكة تكاملية بين المؤسسات الحكومية والمدنية في التغيير والتحديث ، في تقييم الحال وتقويم الاختلال. وعبر تاريخ نشأتها ومراحل تطورها عالمياً لم تكن الأحزاب والتنظيمات السياسية قط مؤسسات لانتاج أو إعادة انتاج الفوضى أو منظمات لتأصيل أو تشجيع النعرات القبلية أو الولاءات العشائرية ، وإلا لما استمرت هذه الأحزاب ولاتطورت بها مدنية حياة العالم الديمقراطية المتقدم ، كما أن الأحزاب لم تكن بأي حال محرضاً على تجاوز النظم أو مضعفاً لسيادة القوانين ، لأنها أكثر من يحتاج لسيادة النظم ونافذية القوانين ، ولاتستطيع شيئاً دونها. مع هذا ، وبالنسبة لحالنا في اليمن ، لم اصل ومعي كثير ممن يزعمون التعقل إلى خيبة الأمل كلياً حد اليأس ، ومازلنا نأمل في أن تنفذ مختلف أحزاب المعارضة الوطنية وبأكبر قدر من المسئولية والموضوعية ، مراجعة سريعة لمسارها الراهن ، وتقدير آثارها الداخلية وانعكاساتها الخارجية ، واستشراف احتمالات مواصلة المضي فيه على المديين القريب والبعيد ، بميزان المنافع والمضار ، ومنظار الولاء للوطن والشعب ومصالحه العامة أولاً وأخيراً. لاشك أن أحزاب المعارضة إن فعلت ما نأمله من مراجعة هادئة ستبادر إلى تقويم ماترصده من اعوجاج لمسارها وستخلص إلى إعادة ترتيب أولوياتها ، وجدولة اهدافها ، وتحديد حقيقة ماتريده منفردة ومجتمعة وتعيين ما تعرضه بالضبط في توجهات منافسها الفائز «الحاكم» ، والدخول معه في حوار جاد ينشد الاتفاق حول ماتختلف معه ، وما تقترحه من رؤى بشأنه ، ثم تترك الحكم عليها والقرار الحاكم بشأنها لجمهور الناخبين ونتائج تصويته في صناديق الاقتراع ، مع التحية.