كثير من الذين يدّعون الورع والتقوى ومخافة الله، وتجده يعظ هنا وهناك، بل تجده يبالغ بإفراط في المسائل الدينية وبالذات المظهرية كالملبس في القميص والجبة والعمامة، والرداء الأخضر أو الأبيض، والمسبحة الطويلة والعصا الغليظة المعكوفة عند رأسها، واكتحال العينين، واستخدام تلك الروائح من النوع التقليدي، وما شابه ذلك من المظاهر الدينية جنباً إلى جنب مع الوعظ الدائم للناس.. لكن الحقيقة أن كل هذه مسائل ظاهرية لا تُجسّد بالعمل، أي لا تجد صاحبها يجسّد ذلك في ممارساته وسلوكياته وتعاملاته الحياتية.. فتجده يجامل في الحق، وينافق، ويؤذي، ويفسد، ويفتن، ويداهن، ويرتشي، ويغش، ويحتال، وينصب، ويستغل، ويأتي كل ما نهى الله عنه، وينأى عن كل ما أمر الله به. على سبيل المثال.. تجد جاراً يحتاج إلى جاره، حينها يتذكر كل ما جاء عن حقوق الجار في الإسلام «كتاباً، وسنة، وسيرة، وأمثلة»، ويحملها إلى جاره، ويسحب في الحديث مع جاره عن حقوق الجار لإقناع جاره بإعطائه حاجته، رغم أنها ليست حاجة ضرورية.. بقدر ما هي ابتزاز ونهب للجار الذي قد يكون بأمس الحاجة إليها أكثر من جاره، ومع ذلك يتجاوب الجار مع جاره هذا ويعطيه جزءاً من تلك الحاجة تفي بالغرض، لكن الجار «الطماع، الانتهازي، الاستغلالي» لا يكتفي بذلك فيسعى من خلال آخرين للحصول على ما هو أكثر من جاره المؤمن الطيب، فيتدخل أولئك بالضغط واستغلال طيبة الجار الطيب المؤمن للتجاوب مع جاره بالمزيد.. مثل هذه الأمور لم تعد من حقوق الجار على جاره، لكنها أصبحت أطماعاً للجار في نهب حقوق جاره، بينما هذا الجار الطماع الذي يتكلم عن الجار وحقوق الجار يتنكر لجاره حينما يحتاج إليه، وينسى ما قدمه له جاره رغبة لأطماعه، في حين أن حاجة جاره إليه صادقة وفعلية وليست طمعاً. أقصد أن هناك نماذج من هذا النوع كثيرة ممن لا يعرفون حقوق الجار في الإسلام إلا حين يطمعون في ابتزاز ونهب جيرانهم، ويعرفون المجورة أنها أخذ فقط من الجار دون عطاء للجار.. أي أنها أخذ وعطاء متبادل، بمعنى أنهم يسعون لأخذ ما يطمعون به من جيرانهم باسم حقوق الجار، ثم ينسون حقوق الجار الفعلية والصادقة عليهم.. والمشكلة أن هؤلاء يعتقدون أنفسهم «شطاراً» و«حذاقاً»، مع أن عملهم هذا يدخل في باب النصب والاحتيال والاستغلال، وهي سمات ذميمة ورذيلة، ولا يسلم هؤلاء من الجزاء العاجل والآجل.