أسهب خطيب الجمعة الماضية في الحديث عن ظواهر الفساد الاخلاقي ابتداءً من روتانا وانتهاء بحبوب الدايزبام ورمي مسؤولية كل شيء على ظهر الأجهزة الأمنية، فكم تمنيت لو لم تكن خطبة جمعة لأسأله عن وظيفة رجال الدين ! الخطيب لم يحدثنا عن الآثار السلبية التي تخلفها روتانا على حياة الشباب، ومستقبلهم، وروابطهم الاسرية، وإنما اكتفى بالقول بأنها تفسد الاخلاق ثم تفرّغ للشتم واللعن بالأجهزة الحكومية، وهكذا جرى الحال مع بقية الأمور، كما لو أن على أجهزة الأمن ان تنزل إلى الشوارع، وتتولى الوعظ والإرشاد ليتفرغ خطباؤنا الافاضل للشتم والهجاء. الغريب في الأمر أن الناس صارت عندهم قناعة بما تردده بعض المنابر، وراح القسم منهم يعيد نسخ نص ما يقال إلى المقايل والأماكن العامة، متناسين أن أي انهيار أخلاقي في أي مجتمع هو مؤشر على انهيار مؤسساته الدينية.. فأعمال النصح والإرشاد هي بالأساس وظيفة رجل الدين، وإنه هو المسؤول عن تحصين الشباب بالإيمان والمعرفة بمنافع وأضرار الأشياء. وعلى الرغم من أن المساجد تشهد تراجعاً في أعداد المصلين في عموم الجمهورية إلا أن هذه المشكلة أيضاًَ لم تحض باكتراث مؤسساتنا الدينية للتساؤل عن الأسباب، طالما هناك شماعة جاهزة لتعليق الاخطاء وهي الحكومة وطالما هناك فئة مثقفة في كل مدينة يمنية تتقاعس عن توعية الناس بصواب أو خطأ ما يقال. الكثيرون يتحدثون عن الفسق، والفجور، والمخدرات،، والعادات السيئة الأخرى لكنهم لا يكلفون أنفسهم عناء البحث عن الأسباب.. حتى علماؤنا الأفاضل، اصدروا عدة بيانات حملوا بها الدولة مسؤولية هذه الظواهر لأن هناك اعتقاداً لديهم بأن وظيفة الدولة شاملة كما لو أنهم يوحون إلينا بأن الإرشاد لم يعد وظيفة المسجد، وأن رجل الدين بات مكلفاً بمهام ومسؤوليات أخرى غير التي نعرفها. يبدو أن هذا هو الواقع، لأننا كلما ذهبنا إلى المسجد وجدنا من يخوض في شئون الحياة، ولكن بلغة شتم الدولة والتهكم على المسؤولين ولعن كل من هب ودب بما في ذلك البقال الذي يشتري منه أبناء المسؤولين الصغار حلواهم.. فإذا كنا نحن الكبار ينتابنا الملل والاشمئزاز من تسييس المساجد، فما بال الصغار والشباب !؟ ولا ندري ما علاقة المسجد بالصراعات الحزبية ليتحول إلى الصورة التي نجده عليها اليوم.. ! شبابنا اليوم بأمس الحاجة إلى من يحصنهم من مباهج الثورة التقنية، ومن الغزو الفكري والثقافي الذي بات بفضل الفضائيات قادراً على الدخول حتى إلى غرف النوم.. لكن مع هذا تتراجع الإنشطة الإرشادية إلى أبعد الحدود، ونجد الجميع منهمكين في حديث السياسة والصراعات الحزبية.. لهذا هم اليوم معرضون للانحراف أكثر من أي وقت مضى، والمجتمع معرض للتفسخ الاخلاقي ما لم تتحرر المساجد من أئمة الحزبية.. وللأسف الشديد أن بعض الخطباء قبل على نفسه ان ينزل من مكانته الرفيعة السامية إلى حضيض الممارسات الحزبية الضيقة، ليتحول إلى أداة ترويج إشاعات ودعايات وأكاذيب ! ولكي لا نظلم الجميع نقول إن هناك مدناً كاملة أصلحها خطباء، وحررها من الجهل والتخلف وأمراض العصر مشائخ أفاضل يدركون جيداً أنهم غداً سيقفون بين يدي الله للحساب. وأن الرب سيسألهم عما فعلوا بمجتمعاتهم.. فهل سيفيق البعض الآخر، ويحشد علمه ونفوذه لأجل صلاح المجتمع وأبنائه !؟