انحياز وتواطؤ على حساب العروبة والإسلام في وقت ما تزال ردود الأفعال الرسمية والشعبية تتوالى للتعبير عن السخط والإدانة والاستنكار لإعادة نشر الصور المسيئة لشخصية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الصحف الدنماركية وفي ظل سيطرة حالة الغليان في أوساط الشعوب العربية والاسلامية والتي تزيد من حجم الكراهية والعداء للغرب الذي ظل وما يزال صامتاً إزاء هذه الإساءات والسفاهات الدنماركية التي تجد لها غطاءً أوروبياً واسعاً حمل السلطات الدنماركية إلى إعطاء الضوء الأخضر لها غير مكترثة بخطورة وتبعات مثل هذه السلوكيات المنحرفة . وبلغت الجرأة بالسلطات الدنماركية إلى وضع حراسة أمنية مشددة لمرافقة صاحب الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول للحفاظ على حياته وجهزت له كوخاً صغيراً للإقامة فيه بهدوء وراحة بال وكأنه بطل قومي أو قائد ثوري صنع لهم منجزاً عظيماً أو ابتكر لهم اختراعاً مذهلاً في وقت كان الأحرى بهم إلقاء القبض عليه وإخضاعه للمساءلة والتحقيق إزاء الجريمة البشعة التي ارتكبها ومساءلة الصحف التي أعادت نشر الصور المسيئة للرسول عليه الصلاة والسلام، إلاَّ أن الغطرسة الدنماركية والغطاء الأوروبي المتمثل في الدعم والمساندة للسلطات الدنماركية والتضامن الذي تبديه وسائل الإعلام الغربية مع صاحب الرسوم جعلها تغضّ الطرف عن ردود الأفعال الشعبية في العالم العربي والإسلامي في وقت طمأنتها الدول الأوروبية بأن ردود الفعل الرسمي من قبل الحكومات العربية لن تتعدى أسلوب التنديد والاستنكار في أعلى حالات الذروة إن وجدت. باستثناء الموقف الشجاع والجريء للقيادة والشعب السوداني وخروج الرئيس عمر البشير في مقدمة المظاهرات المنددة بالإساءة إلى الرسول وقطعه للعلاقات الدبلوماسية مع الدنمارك انتصاراً لكرامة الإسلام والمسلمين وهو موقف يسجل للسودان قيادة وحكومة وشعباً ونتطلع إلى مواقف مماثلة من بقية الدول العربية للحيلولة دون استفراد الدول الأوروبية بالسودان ومعاقبتها على هذه المواقف والتي بدأت بالتلويح بقطع المساعدات والمطالبة بالقروض الممنوحة للسودان من دول الاتحاد الأوروبي وهو موقف ليس بخافٍ على دول حكومات الشعوب العربية والإسلامية. الانحياز الأوروبي نحو الدنمارك جاء مصحوباً بانحياز مماثل لكنه هذه المرة يصب في مصلحة إسرائيل حيث وصلت حالة الانحياز في أغلب الدول الأوروبية إلى تأييد ومباركة الأعمال الوحشية والإجرامية التي تمارسها قوى الطاغوت والإرهاب والتطرف الصهيوني البشع في حق أبناء فلسطين وعلى وجه الخصوص قطاع غزة. وفي هذه التناولة نسلط الضوء على المواقف الفرنسية في هذا الجانب ففي الوقت الذي تربط الدول العربية والاسلامية علاقات متميزة مع السلطات الفرنسية كانت بمثابة الإنموذج الفريد في العلاقات الاسلامية الأوروبية وهو ما جسدته المواقف الفرنسية المؤيدة لحقوق أبناء الشعب الفلسطيني والمدينة لأعمال الإرهاب والإبادة الجماعية التي تمارس ضدهم والتي ظلت على نفس الوتيرة إلى ما قبل انتخاب نيكولا ساركوزي رئيساً لفرنسا خلفاً للرئيس شيراك فما إن وطأت أقدام ساركوزي قصر الإليزية بالعاصمة باريس حتى أخذت السياسة والمواقف الفرنسية تتغير وتتبدل فعلى الرغم من الزيارات المكوكية التي قام بها ساركوزي لعدد من الدول العربية والإسلامية والتي سعى من خلالها إلى إعطاء فكرة جيدة لدى الحكومات العربية والاسلامية عن استمرار العلاقات الثنائية مع فرنسا على نحو ما كانت عليه في رئاسة شيراك، الأمر الذي خلق حالة من الارتياح والاطمئنان في أوساط القيادات العربية والإسلامية إلاَّ أن هذه الحالة لم تستمر طويلاً فسرعان ما كشف ساركوزي عن ميوله اليهودية والصهيونية العنصرية على حساب القضايا العربية والاسلامية حيث كان المؤمل من ساركوزي التعبير عن الإدانة والاستنكار للإساءات الدنماركية ضد شخصية الرسول محمد عليه الصلاة والسلام انطلاقاً من موقع السياسة الفرنسية الداعية إلى احترام المقدسات والأنبياء وحرية الأديان إذا بها تغرق في صمت رهيب يحمل الكثير من علامات الاستفهام استبان مكنونها واتضح بجلاء ووضوح في التصريحات التي أطلقها ساركوزي خلال اجتماع الجمعية العمومية الفرنسية اليهودية في باريس. وإعلانه عزمه على زيارة إسرائيل في مايو المقبل للمشاركة في احتفالاتها بالذكرى الستين لإنشائها والتي اعتبرها حدثاً هاماً في التاريخ مشيراً إلى أنه لن يصافح أي شخص يرفض الاعتراف بإسرائيل. هذه التصريحات الخطيرة كشفت حجم المؤامرة وطبيعة التواطؤ والانحياز الذي يكنه ساركوزي تجاه العرب والمسلمين كونه بذلك لم يكلف نفسه الإشارة إلى الجرائم البشعة التي تمارسها القوات الاسرائيلية المحتلة في حق أبناء الشعب الفلسطيني وقبل هذا أعطى مشروعية للإحتلال الصهيوني وجعل مرور «60» عاماً على الاحتلال والقمع والقتل والتشريد والإبادة مناسبة للاحتفال وحدثاً هاماً يتطلب زيارته لإسرائيل دون أن يجرؤ على التعريج على حق الفلسطينيين في قطاع غزة على حد تعبير نائب وزير الدفاع الاسرائيلي حيث تقوم قوات وآليات العدو الصهيوني بممارسة أبشع أشكال القتل والتدمير في حق المواطنين الأبرياء في قطاع غزة باستخدام الطائرات والدبابات والمدافع والصواريخ براً وبحراً وجواً بصورة وحشية طالت الأطفال والنساء والشيوخ واستهدفت البنية التحتية للقطاع بما في ذلك جرف الأراضي الزراعية وهدم المنازل على رؤوس ساكنيها بدم بارد يبعث في القلب الحسرة والحزن والأسى، المئات من القتلى ممن تحولت أجسادهم إلى أشلاء متناثرة هنا وهناك، أعداد هائلة من الجرحى والمصابين ممن تمنع عنهم سلطات العدو الصهيوني العلاج والدواء. هذه المحرقة الصهيونية في حق أبناء فلسطين في قطاع غزة لم تحرك ساكناً في ضمير ساركوزي الميت ولم تثنه عن العدول والتراجع عن تصريحاته السابقة، هذه المحرقة لم تدفعه إلى رفع أبسط عبارات التنديد والاستنكار والشجب ولم تحمله على الإعلان عن زيارة لإسرائيل لإثنائها عن ممارستها العدوانية بحق أبناء فلسطين كونها ليست بالحدث الهام الذي يستحق أن يحظى بشرف زيارته المبجلة من أجله. رغم كل هذه الجرائم وهذه الصور المؤلمة التي تطالعنا بها الفضائيات من موقع المحرقة الصهيونية للفلسطينيين في قطاع غزة إلاَّ أن فرنسا قيادة وحكومة لم تعرها أدنى اهتمام بل على العكس من ذلك تماماً إذا بعنصريتها المقيتة المنحازة صوب الإرهاب الصهيوني تحمل إدارة معرض باريس الدولي للكتاب المقرر أن ينعقد في الفترة من 14 - 19 مارس الجاري على دعوة اسرائيل كضيف شرف للمعرض لهذا العام احتفاءً بالذكرى الستين لتأسيس اسرائيل وهو إجراء يستهدف إثارة مشاعر وأحاسيس شريحة واسعة من العرب والمسلمين ومن شأنه تعكير صفو العلاقات الثقافية والسياسية والإنسانية مع فرنسا. وبهذا التصرف اللامسئول للسلطات الفرنسية صار من الواضح للجميع وفي مقدمة ذلك قادة وزعماء العالم العربي والاسلامي أن الانحياز الفرنسي للجرائم الصهيونية ووقوف القيادة والحكومة الفرنسية إلى جانب الصف الصهيوني على حساب القضايا العربية والاسلامية المصيرية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والاحتلال الصهيوني للأراضي السورية واللبنانية كل ذلك يتطلب التعامل معها بالمثل وذلك من خلال إعادة النظر في طبيعة العلاقات العربية والاسلامية الفرنسية واستدعاء السفراء العرب والمسلمين في باريس للتشاور واستدعاء السفراء الفرنسيين وتقديم رسائل احتجاج شديدة اللهجة للقيادة والحكومة الفرنسية على عنصريتها وانحيازها اللامسئول للصهاينة، والمطالبة بعدم الكيل بمكيالين في هذا الجانب والإسراع في إدانة الإساءات الدنماركية للرسول عليه الصلاة والسلام وحث السلطات الدنماركية على الاعتذار عن ما بدر منها من تطاول وإسفاف لا يمس العرب والمسلمين فقط وإنما يمس كل الشعوب المحبة للسلام والتعايش السلمي والاجتماعي والتقارب الديني كون الإساءة للأنبياء. جريمة عالمية لا يمكن التهاون في حق مرتكبيها، وعلى القادة والزعماء العرب توظيف علاقاتهم الدبلوماسية مع فرنسا وبقية دول العالم فيما يخدم قضايا أمتهم المصيرية وفيما يعزز من مكانة الدين الاسلامي ومنزلة نبيه الصادق الأمين، الرحمة المهداة للبشرية جمعاء. ولا بُدَّ أن يكون للمراكز والمعاهد الثقافية الإسلامية المنتشرة في عموم المدن الفرنسية والمدن الأوروبية الأخرى التعاطي بمسؤولية تجاه هذه المواقف الفرنسية المنحازة لإسرائيل وتبيان عدالة القضية الفلسطينية وتوضيح حجم المعاناة والمأساة التي يعيشها أبناء فلسطين وإطلاع الرأي العام الفرنسي على طبيعة الجرائم الوحشية التي تمارسها القوات الصهيونية في حق المواطنين الأبرياء العزل والتي تتنافى وقيم الإنسانية ومبادىء الحرية والكرامة البشرية التي نصت عليها القوانين والبروتوكولات والمواثيق الدولية التي تغيب وتتلاشى إذا ما كان للعرب والمسلمين أدنى صلة أو علاقة بذلك. وعلى الحكومات العربية تقع أيضاً مسؤولية دعم هذه المراكز وإمدادها بكافة الإمكانيات التي تسهم في إنجاح مهامهم والحرص على أن تكون لغة الخطاب سهلة وسلسة ومعتدلة وهادئة دونما غلو أو تشدد أو تزمت شعارها الحجة الدامغة والبرهان الساطع وهو ما سيحمل السلطات الفرنسية عنوة على مراجعة سياساتها وانحيازها لإسرائيل وتمضي بها نحو التزام مبدأ الحياد والموضوعية في طريقة تعاملها مع القضايا ذات الصلة بالصراع العربي الاسرائيلي. وفي الأخير أجدد الدعوة لكافة أبناء العروبة والإسلام للتداعي وبسخاء لدعم الإخوة المنكوبين في قطاع غزة والتبرع لهم بالدم والمال للتخفيف من مصابهم وإنقاذهم من الهلاك في ظل فرض الجلاد الصهيوني الحصار الجائر عليهم، وعليهم التضرع بالدعاء لنصرة إخواننا المجاهدين في قطاع غزة والثبات والصمود في مواجهة الأعداء والقتلة والمجرمين من أحفاد القردة والخنازير ممن بغوا في الأرض وتجبروا وعاثوا فيها فساداً وظلماً وإذلالاً وبطشاً وتنكيلاً. قال تعالى: «ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار, مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء». والله حسبنا هو نعم المولى ونعم النصير. [email protected]