آباء كثيرون ينشغلون بأعمالهم.. وتجارتهم.. ومواعيد (البزنس).. وإذا اقتطعوا جزءاً من وقتهم فلن يخصصوه إلا للقات.. والأصدقاء.. وغير ذلك.. وتبقى الأسرة بالنسبة لهم آخر ما يفكرون به.. والأبناء آخر ما يمكن أن يشغل البال أو يمر على الخاطر.. وأمهات كثيرات.. يسلّمن مهام الواجبات المنزلية للشغالة القادمة من شرق آسيا أو أفريقيا، ويتفرغن لمجالس "التفرطة" وللعادة الدائمة "قالت.. قلتي".. واستعراض آخر الموديلات من وسائل اتصالاتية أو سيارات أو ملابس.. ولايبالين - أبداً - عندما يتركن أبناءهن الكبار عرضة للضياع.. ويضعن الصغار في أول سلم التربية على يدي - شغالة - ما يهمها هو ما ستتقاضاه في نهاية الشهر.. أما نشأة الطفل، وما يترتب عليها، فأمر خارج حسبة العدّ، أو بعيداً عن متناول "الذاكرة"! أقول هذا.. ولا أريد بعض "المريّشين" أن يضجوا.. أو ينكروا ما يحدث على هذه الطريقة، أو يغطوا الشمس "بمنخل".. ويبدأوا في كيل ما تيسّر من متواليات ما بعد الغضب.. لأن ذلك لن يكون إلا محاولة فاشلة للقفز على حقائق واضحة. فكما أن الفقر سبب في ضياع كثير من الشباب والشابات، المال - أيضاً - سبب مباشر في تدمير بعض آخر من الشباب والشابات الذين وجدوا كل ما يتمنوه بين أيديهم.. ولم يجدوا التربية وهي أعظم مال وأغلى كنز. ولأن أصابع اليد الواحدة لا تتساوى.. فالحال عند الفقير والغني لا يتساوى أيضاً.. وكما أن هناك الفقير الكامل الخلق والأدب والتربية والعلم والاستقامة.. فهناك الغني الذي يحمل نفس الصفات وربما يزيد بالبساطة والتواضع وحب الخير، وهو الذي يمتلك كل ما يريده. لكن ماذا عن التربية التي تضيع في «شربة ميّه» عند أسر مرتاحة مالياً، ومبسوطة على الآخر.. فلّة.. أو فلل.. وسيارات حديثة، وأموال طائلة.. وشغالات.. ونعيم له أول وليس له آخر. آباء مشغولون.. وأمهات في إجازة دائمة.. وأبناء وبنات ينشأون في فراغ ديني وأخلاقي وقيمي، ويكبرون على البذخ المالي والخواء الفكري والفراغ التربوي. لاحظوا بعض أبناء "الذوات" يحوّلون مدارسهم الخاصة إلى مراكز لاستعراض أحدث صرخات الموضة، وبأشكال "مقرفة" تبعث الغثيان.. ويمشطون الشوارع بتفحيطات السيارات الفارهة، ولا يجدون حرجاً في مضايقة بنات الناس، إلى حدٍّ قد يصل إلى التحرش بهن بالقوة.. على أساس أنهم مسنودون إلى ظهور قوية لا تنكسر!! بنات الطبقة "الهاي"، وحتى لا نعمّم.. أؤكد «البعض منهم»، لهن أسلوبهن، وطريقتهن في العيش، وتجاوز المألوف والمعروف أحياناً بعيداً عن أعين الأسرة.. وأحياناً أمامها .. ولا يصدر حتى تأنيب أو تقريع أو مجرد سؤال، اعتراض "لماذا هذا"؟! هناك من سيتصدى في سرعة فائقة، ويقول: هذا كذب.. هذا افتراء! سأقول وأجري، وأجركم على الله: إنني عايشت ذلك واقعياً لأكثر من خمس ساعات في أحد أيام عيد الأضحى الماضي، عندما كنت في منتجع العروسة بمحافظة عدن مع عائلتي.. وفجأة حضرت فتيات على سنجة عشرة.. لا يتجاوز أعمارهن الخامسة عشرة والثامنة عشرة، وأخذن مقاعدهن بجوارنا، وبعد قرابة الساعة أو الساعتين تضاعف العدد من ثلاث إلى خمس، ثم إلى عشر، ثم إلى اثنتي عشرة فتاة جميعهن في عمر صغير. طبعاً.. مسلسل الذهول الذي أتحفتنا به تلك الفتيات شعرت معه بأنني أعيش الخيال غير مصدق بما يحدث.. وحاولت أن أجد مبرراً أقنع به نفسي لتلك التصرفات. كنت أتوقع أنهن بنات "هوى" لكنني تأكدت بشكل قاطع أنهن بنات أصول.. رغم أن ما يقمن به يجرنا إلى تذكر المثل "إذا غابت الأصول دلتك الأفعاعيل"! ابتدأ مشوار السهرة البنّاتية في الكورنيش الجديد للمنتجع المطل على البحر.. وكل واحدة منهن لديها "موبايل" حديث.. ظللن يجمعن بها أنظار الشباب حتى ارتفع منسوب "البلوتوث".. ثم طلبن الشيشة.. وإلى هنا كنت أعتبر الأمر "شبه طبيعي".. لكنه تطور، وبتواصل التليفونات وصلت الشلة تباعاً، وتقلهن سيارات فارهة.. وأحدهم يبدو أنه "سائق" حضر بثلاثة "أكياس" قات عند السابعة مساءً بعد أن اتصلت إحداهن تقول: "بابا"، نشتي قات.. ثم جاء الماء.. والبيبسي.. وأيضاً "الموسي" الخالي من الكحول.. وتصاعد دخان "المعسل" مع "الضحكات" والأغاني المنوعة ولم يتبق سوى "الرقص".. وكان للأحاديث الغرامية عبر "الموبايلات" جانب مهم في الجلسة.. في جولة بحرية على الشاطئ.. وغادرنا المكان عند العاشرة ليلاً، والسهرة مازالت متواصلة.. وصاخبة!! ما رأي بعض "المريّشين" من أصحاب الأموال والجاه والمسؤولية؟ وأين الإحساس عند الآباء وأمهات تلك الفتيات "الصغيرات جداً"؟! أستطيع الجزم هنا أن ما شاهدته، وما كاد يصعقني هو جزء أو شيء من أشياء "فظيعة" تحدث في الظاهر وفي الخفاء.. والحياة ليست مالاً، أو جاهاً أو مسئولية - فقط.. هي تربية، وإحساس، وخلق، وأدب، واحترام، وعلم، وثقافة، واستقامة.. والذين يمتلكون المال ولا يحسنون استخدامه، وأهملوا تربية أولادهم، يجنُون الأزمات المستمرة ووجع القلب والدماغ.. وأكثر من ذلك ما نسمعه بين فترة وأخرى من قصص يشيب لها الرأس، ومنها أن فتاة "مدللة" قتلت أباها وأمها من أجل حبيبها!! متى تستفيقوا يا بعض "المزلّطين".. حاولوا أن تفعلوا ذلك قبل فوات الأوان.. وتذكروا أن أولادكم أمانة في رقابكم!!