كان حفل تدشين سلسلة الندوات وحلقات النقاش مطلع هذا الأسبوع والتي ستستمر لمدة شهر كامل في جامعة تعز حول توجه وقرار الدولة لمنع حمل السلاح في المدن ؛ فرصة مناسبة جمعت أطرافاً عدة يعمها القضاء على هذه الظاهرة التي تشكل أرقاً وهماً يومياً لكل المواطنين، وكانت أيضاً فرصة لمناقشة هذه الظاهرة بعمق والوقوف وجهاً لوجه مع الجهات المعنية بمحاربة هذه الظاهرة. وكانت هناك مكاشفة صريحة من السلطة المحلية تجاه الذين يحبذون استعراض الحراسات و«الحركات» الفارغة أمام الناس، وكان الرجل الأول في المحافظة صادق أمين أبو رأس أكثر شفافية حين أوصل رسالة لكل الناس مؤكداً أن الدولة كانت وستظل قوية وستضرب بقوة الدستور والقانون كل متطاول وعابث، فانتشار المظاهر المسلحة ليس دليلاً سوى على الجهل والتخلف «العقلي» الذي يعيشه البعض، وهذا دليل على أننا نسير في الطريق المجهول. وهناك إجماع على أن حامل السلاح ليس سوى واحد من اثنين، إما «جبان» يخاف من المواجهة مع الناس أو «مجرم» خارج على النظام والقانون تطارده كوابيس الانتقام وحقوق الآخرين، فالشجاع البريء يواجه الجميع بصدر مفتوح، والشخص المجرم يظل أسيراً للخوف والظلم الذي ارتكبه ضد الآخرين.. ونحن في اليمن عندنا هذان الصنفان اضافة إلى وجود نوع يعاني من «عقدة نقص» على حد وصف الأخ/ محافظ محافظة تعز يوم السبت 5 أبريل الجاري في قاعة 22 مايو بجامعة تعز، والذي أكد كذلك أن هذا النوع من المخلوقات العجيبة يعيش منبوذاً بين الناس حتى وإن كان يعيش بينهم ويحضر منتدياتهم، فالمجتمع - حد تعبيره - ينظر إليهم نظرة ازدراء واحتقار. إن أحوالنا الداخلية لن تنصلح إذا ظلت المظاهر المسلحة هي القاعدة وعدم حمل السلاح هو الاستثناء، فنحن نشاهد أننا أصبحنا مجتمعاً يتعامل بلغة «الهنجمة» و«الزنط الحيسي» والتطاول على عباد الله و«لغة السلاح»، وهذه مظاهر جديدة على مجتمعنا واحسبها كذلك، لأن آباءنا لم يكونوا يتعاملون بهذه السلوكيات فيما بينهم البين أو مع البسطاء من الناس، ولم يكن لديهم مثل هذه الاستعراضات المسلحة المقززة، ويبدو أن ثقافة جديدة بدأت تتشكل في هذا الجانب، ولنسمها «ثقافة السلاح»، وهذا الاتجاه الجديد أخل بالتوازن الذي كان قائماً في المجتمع اليمني البسيط، وتتحمل الدولة المسؤولية الكاملة لمحاربة هذه الظاهرة والوقوف بقوة في وجه أصحاب «عقدة النقص» وأصحاب «الزنط الحيسي»، فأبناء الوطن يطلبون من الدولة ضبط العابثين الذين أصبحوا يسرحون ويمرحون بالسلاح في عواصم بعض المدن جهاراً نهاراً، ويطلبون من البرلمان كذلك تشريعات حازمة لا مرونة فيها تجاه هذه الظاهرة المدمرة لمختلف مناحي الحياة، ويريدون أيضاً أن تكون الدولة هي صاحبة اليد القوية، وليس الحزب أو الشيخ أو القبيلة. ٭.. إن كوارث السلاح كثيرة ومتواصلة، فكم من الدماء سالت بسبب السلاح، وكم من المصائب حلت بين القبائل بسبب السلاح، وكم من الأسر فقدت أربابها بسبب السلاح، وكم من الأبناء والبنات تيتموا بسبب السلاح، وكم من الخسائر حلت هنا وهناك بسبب السلاح، فحيث تكون الجريمة يكون السلاح حاضراً وسبباً رئيسياً لحدوثها، فبعض «السفهاء» استغلوا حالة «الفلتان» الأمني الذي تعاني منه العديد من المحافظات، ومنها محافظة تعز، وانطلقوا يبثون الرعب والخوف في أوساط الناس، وممارسة جريمة السرقة في الشوارع تحت تهديد السلاح، ووصل بهم الأمر إلى سرقة النساء وفي وضح النهار، الأجهزة الأمنية تستطيع معالجة الاختلال القائم، فهي تمتلك الإمكانيات المادية اللازمة، ولاينقصها سوى الحزم واليقظة وتطبيق النظام والقانون على الجميع دون استثناء، لأننا لا يكاد يمر يوم إلا ونسمع عن حدوث جريمة بسبب السلاح. لقد حققت حملة منع السلاح التي دشنتها منذ فترة وزارة الداخلية نجاحات كبيرة، واستطاعت هذه الحملة أن تحاصر مساحة الجريمة، وبالفعل فقد تراجعت نسبة الجريمة إلى حد كبير كما تؤكد ذلك التقارير الرسمية ومطلب الناس جميعاً على امتداد أرض الوطن هو أن تتواصل هذه الحملة وبنفس القوة التي بدأت بها وهذه هي البداية الصحيحة لبناء المجتمع المدني الحديث وبناء اليمن المعاصر، ومن دون شك فإن الدكتور رشاد العليمي نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية يمتلك العديد من الرؤى لمواصلة هذه الحملة، وكذلك البحث عن الأدوات والآليات الأكثر فاعلية لتحقيق أكبر نسبة من النجاح. إننا حقاً نتجه صوب بناء مجتمع حضاري مدني حديث خالٍ من مظاهر الجهل والتخلف وتنظيم حمل وحيازة السلاح هو الطريق لبناء يمن متطور ومزدهر، لأن ظاهرة حمل السلاح أيضاً تشكل عائقاً كبيراً أمام الدفع بعملية التنمية إلى الأمام ومواصلة استكمال مشاريع البنية التحتية التي تشهدها العديد من مدن وقرى المحافظات في بلادنا.