- عاجل شركة عجلان تنفي مايشاع حولها حول جرائم تهريب وبيع المبيدات الخطرة وتكشف انه تم ايقاف عملها منذ6 سنوات وتعاني من جور وظلم لصالح تجار جدد من العيار الثقيل وتسعد لرفع قضايا نشر    ناشط يفجّر فضيحة فساد في ضرائب القات للحوثيين!    المليشيات الحوثية تختطف قيادات نقابية بمحافظة الحديدة غربي اليمن (الأسماء)    مغالطات غريبة في تصريحات اللواء الركن فرج البحسني بشأن تحرير ساحل حضرموت! (شاهد المفاجأة)    الإنتقالي يرسل قوة امنية كبيرة الى يافع    "قديس شبح" يهدد سلام اليمن: الحوثيون يرفضون الحوار ويسعون للسيطرة    في اليوم 202 لحرب الإبادة على غزة.. 34305 شهيدا 77293 جريحا واستشهاد 141 صحفيا    "صفقة سرية" تُهدّد مستقبل اليمن: هل تُشعل حربًا جديدة في المنطقة؟..صحيفة مصرية تكشف مايجري    خال يطعن ابنة أخته في جريمة مروعة تهزّ اليمن!    الجريمة المركبة.. الإنجاز الوطني في لحظة فارقة    الدوري الانجليزي ... السيتي يكتسح برايتون برباعية    فشل عملية تحرير رجل أعمال في شبوة    إلا الزنداني!!    مأرب.. تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    الزنداني.. مسيرة عطاء عاطرة    البحسني يشهد تدريبات لقوات النخبة الحضرمية والأمن    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34305    الشيخ الزنداني رفيق الثوار وإمام الدعاة (بورتريه)    انخفاض الذهب إلى 2313.44 دولار للأوقية    المكلا.. قيادة الإصلاح تستقبل جموع المعزين في رحيل الشيخ الزنداني    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    ذهبوا لتجهيز قاعة أعراس فعادوا بأكفان بيضاء.. وما كتبه أحدهم قبل وفاته يُدمي القلب.. حادثة مؤلمة تهز دولة عربية    مفاوضات في مسقط لحصول الحوثي على الخمس تطبيقا لفتوى الزنداني    تحذير أممي من تأثيرات قاسية للمناخ على أطفال اليمن    مقدمة لفهم القبيلة في شبوة (1)    لابورتا يعلن رسميا بقاء تشافي حتى نهاية عقده    الجهاز المركزي للإحصاء يختتم الدورة التدريبية "طرق قياس المؤشرات الاجتماعي والسكانية والحماية الاجتماعية لاهداف التنمية المستدامة"    "جودو الإمارات" يحقق 4 ميداليات في بطولة آسيا    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    المجلس الانتقالي بشبوة يرفض قرار الخونجي حيدان بتعيين مسئول أمني    الإصلاحيين يسرقون جنازة الشيخ "حسن كيليش" التي حضرها أردوغان وينسبوها للزنداني    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    اشهر الجامعات الأوربية تستعين بخبرات بروفسيور يمني متخصص في مجال الأمن المعلوماتي    رئيس الاتحاد الدولي للسباحة يهنئ الخليفي بمناسبه انتخابه رئيسًا للاتحاد العربي    تضامن حضرموت يظفر بنقاط مباراته أمام النخبة ويترقب مواجهة منافسه أهلي الغيل على صراع البطاقة الثانية    سيئون تشهد تأبين فقيد العمل الانساني والاجتماعي والخيري / محمد سالم باسعيدة    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    اليونايتد يتخطى شيفيلد برباعية وليفربول يسقط امام ايفرتون في ديربي المدينة    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    لغزٌ يُحير الجميع: جثة مشنوقة في شبكة باص بحضرموت!(صورة)    رئيس كاك بنك يبعث برقية عزاء ومواساة لمحافظ لحج اللواء "أحمد عبدالله تركي" بوفاة نجله شايع    الخطوط الجوية اليمنية تصدر توضيحا هاما    مليشيا الحوثي تختطف 4 من موظفي مكتب النقل بالحديدة    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    الديوان الملكي السعودي: دخول خادم الحرمين الشريفين مستشفى الملك فيصل لإجراء فحوصات روتينية    صحيفة مصرية تكشف عن زيارة سرية للارياني إلى إسرائيل    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    دعاء مستجاب لكل شيء    مع الوثائق عملا بحق الرد    لحظة يازمن    - عاجل فنان اليمن الكبير ايواب طارش يدخل غرفة العمليات اقرا السبب    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليمن..من شوارق الحكمة إلى بوارق البندقية
نشر في أخبار اليوم يوم 26 - 09 - 2011

الأمن هو صمام الأمان في حياة الإنسان وبدونه تصبح الحياة أكثر قسوة وأكثر معاناة ,وأي مجتمع ينشد المدنية والرقي يميل إلى تعظيم قيمة الأمن والأمان في حياته ويعتبرها القيمة الأولى في تحقيق نهضته واستقراره وتحسين مستوى معيشته وأي خلل في حالة الأمن ينعكس سلباً على حياة أفراده ,بل على كل مقومات الاستقرار والتنمية فيه.
الأحداث الجارية التي تمر بها البلاد حالياً؛ ساهمت في تعميق حالة الخوف والقلق لدى المواطنين، بسبب تنامي حالة الانفلات الأمني وشيوعها بشكل ملحوظ في جميع المحافظات وخصوصاً المدن الرئيسية التي كان سكانها فيما مضى من الوقت يسخرون من أهل القرى والأرياف إذا ما رأوهم حاملين الأسلحة على أكتافهم، إلا أنه يبدو أن عدوى فيروس حمل السلاح انتقلت إلى المدن حيث القلق والخوف والتوتر صار السمة الغالبة على وجوه سكانها وباتوا يخافون من ذوي السلوك المنحرف الذين يسيئون إلى قيم التمدن والرقي ،ربما لأهداف أو قد يكون غُرر بهم.
ارتأيت أن أخصص هذه المساحة من "هموم الناس " للوقوف على ظاهرة حمل السلاح في المدن الرئيسية التي عادت بشكل ملفت للانتباه منذ بداية الاحتجاجات المناهضة للنظام ، لدرجة يكاد يكون الاستثناء فيها هو أن تجد شخصاً لا يحمل سلاحاً.. والمفارقة الأكثر غرابة انتشار المظاهر المسلحة بقوة مع انتشار مظاهر التفتيش الأمني في النقاط الأمنية والعسكرية بكثرة أيضاً..وكأن هناك من يسعى وعن سبق إصرار وترصد إلى تمزيق النسيج الاجتماعي وخلخلة السكينة العامة داخل المدن الرئيسية.
دعونا نتابع في السطور التالية ما قاله المعنيون والمهتمون عن هذا الداء الاجتماعي اللعين وهذه الظاهرة التي صار لها مريدون وأرباب للنيل من أمن واستقرار الوطن.
وراء كل مصيبة وجريمة هو السلاح ؛تلك الآلة الفتاكة القاتلة التي لا ترحم أحداً وتسهل من ارتكاب الجريمة وتساعد على انتشارها وتعد من الظواهر المقلقة والمزعجة للمواطنين ..
يتحدث الدكتور/ عبدالعليم العريقي –أستاذ علم الإحصاء بالجامعة اليمنية -عن تنامي ظاهرة حمل السلاح داخل المدن الرئيسية بالقول: لاشك بان ظاهرة حمل السلاح داخل المدن الرئيسية والتجوال به في الأسواق العامة يسيء إلى سلوكياتنا وعاداتنا ,كما أنها تعطي انطباعاً غير حسن للزائرين الأشقاء منهم أو الأصدقاء ,على اعتبار أن هذه الظاهرة تشوه من صورة حضارة وعراقة الإنسان اليمني ، كما أن ظاهرة حمل السلاح والتجوال به في المدن الرئيسية تعتبر سلوكاً غير حضاري له انعكاسات سلبية على الأفراد والمجتمع بشكل عام ومخاطره تؤثر على التنمية والاقتصاد وتشكل هذه الظاهرة إقلاقاً للسكينة العامة وتعدياً على أمن وحريات المواطنين.
ويستشهد أستاذ علم الإحصاء بحادثة حصلت أمامه في أحد الشوارع الرئيسية : بينما كنت ماراً في أحد شوارع العاصمة شد انتباهي شباب حديثو السن مهووسون بالفتوة واستعراض العضلات.. كانوا يحملون أسلحة "آليات كلاشنكوف – مسدسات" بطريقة تثير الاشمئزاز، يتجولون بها هنا وهناك .. فجأة أطلق أحدهم النار في الهواء دون سبب، مستهتراً دون رادع أو وازع وغير مكترث بترويع الآمنين والمسالمين، وكانت ملامح الدهشة تبدو على وجوه الناس مثلي.. شباب غير متزن.. سلوكيات غير سوية تتنافى مع الدين والعرف، بل حتى مع الذوق العام. .
ويتابع الدكتور العريقي: وربما تكون الظاهرة هي ردة فعل غير محسوبة نتيجة أوضاع تهميشية ولدت لدى الكثيرين شعوراً بالنقص أو الدونية وبالتالي نجدهم يبحثون عما يسدون به ذلك النقص للحفاظ على مكانتهم في المجتمع، إلا أن الجهل وقلة الوعي جعلهم يخطئون الوسيلة في تحقيق المراد، لأن الواعي يدرك مخاطر السلاح ويدرك أن حمله في المدن هو النقص بعينه، ومن هنا تبلغ سلوكيات الأقل وعياً إلى حد الإضرار بالمجتمع وليس بنفسه وحسب.
تجارة الموت
تسجل الأجهزة الأمنية بشكل يومي عمليات القتل بواسطة السلاح الشخصي وأغلبها ناتج عن خلاف بسيط وتحت تأثير الانفعال يقدم المتشاجرون على استخدام السلاح الذي يكون تحت أيديهم في تلك اللحظة,كما أن تجار الأسلحة ومهربيها لا يعنيهم مقتل الأبرياء بواسطة بارودهم وبنادقهم.. كل ما يبحثون عنه هو الثروات التي تدرها عليهم تجارة الموت.
يشير الأستاذ/ عزالدين سعيد أحمد -رئيس المركز اليمني للمعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان –إلى أن الجرائم المرتكبة بواسطة الأسلحة النارية بلغت ما نسبته %72.84 من الحوادث والجرائم التي بلغت في مجملها 711.31 حادثة، منها 7088 حادثة تمت بوسائل أخرى ,فيما بلغت عدد الوفيات في الجرائم والحوادث المشار إليها 5559 حالة وفاة، منها 4886 حالة وفاة نتيجة استخدام السلاح الناري بنسبة %89.87.
وينوه رئيس المركز اليمني للمعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان بأن خسائر اليمن نتيجة انتشار الأسلحة النارية بين السكان تقدر ب 18 مليار دولار خلال الأعوام العشرين الماضية, كما كشف عن وقوع 24 ألف و623 جريمة باستخدام السلاح الناري،خلال عامين فقط ,أي شكلت ما نسبته 87 بالمائة من إجمالي عدد الجرائم والحوادث خلال الفترة المشار إليها، وخلفت 23 ألف و577 حالة وفاة، بنسبة 85 بالمائة من إجمالي عدد الوفيات والإصابات الأخرى.
ويخلص عزالدين إلى أن حق الحياة يمثل أبرز وأهم حقوق الإنسان ، ويمكن للمرء أن يفقد ذلك الحق بسبب انتشار السلاح ، والذي أدى إلى عدم شعور المرء بالأمان على حياته.
تشخيص الظاهرة
الدكتور/نجيب علي سيف الجميل -أستاذ القانون الجنائي المساعد بجامعة عدن- يشير إلى أن القاسم المشترك الذي يجمع بين الجرائم هو انتشار حمل السلاح وخاصة السلاح الناري .. وتزداد خطورة حمل السلاح الناري أو حيازته-حسب أستاذ القانون الجنائي في ظل الانفلات الأمني أو عندما يكون صاحبه يعاني من الجهل أو من أمراض عقلية أو نفسية ،حيث لا يستطيع تحت تأثيرها التحكم أو السيطرة على قواه الذهنية والعقلية مما قد يدفع به الحال الى ارتكاب الجرائم لا سيما في ظل توافر السلاح وسهولة الحصول عليه أو شرائه.
تشاطره في ذلك الدكتورة كوثر عبدالله سعيد – أستاذ علم الاجتماع بجامعة عدن –والتي ترى أن عامل الجهل أحد عوامل حمل السلاح في المدن والذي جاء -حسب تعبيرها- نتيجة لعوامل منها الجهل بمخاطر السلاح والجهل بأهداف حمله المتمثلة بحماية الأمن والاستقرار ومن الذي يفترض أن يستخدم السلاح ولماذا ومتى وأين؟..منوهة بأن حمل السلاح واستخدامه بلا معنى يتسبب بإقلاق السكينة العامة والاستقرار ويعد انتشاره خطراً يهدد المجتمع بمختلف فئاته لاسيما في ظل الانفلات الأمني الذي تشهده بلادنا.
الظاهرة تغتال براءة الطفولة
ألقت الاضطرابات التي تشهدها الساحة اليمنية بظلالها المأساوية على كل مناحي الحياة، حتى أصبحت مظاهر التمنطق بالسلاح مألوفة في معظم المدن اليمنية ليتحاور الكبار من فوهات البنادق بزخات الرصاص العشوائي.. ومعها لم يجد الصغار لعبة مفضلة، بعد أن أوصدت الحدائق والمتنفسات أبوابها، سوى محاكاة أسوأ سلوكيات الكبار!!. فالإنسان ابن بيئته حقيقة ملموسة زاد من تأكيدها تأثر الأطفال بأعمال وممارسات وسلوكيات الكبار تلك ،حيث يحاولون أن يقلدوها، سلباً أو إيجاباً،ظناً منهم أن هذه الأعمال ومحاكاتها من علامات الرجولة.
ولو لم يكن من تداعيات الأزمة السياسية الراهنة التي تشهدها بلادنا، إلا أنها أثرت بشكل مباشر على سلوكيات أطفالنا وانعكست في ألعابهم وسلوكياتهم وتصرفاتهم وتعاملاتهم اليومية..لكفى.
فاليوم الحارات والشوارع تزخر بأطفال يشهرون بنادقهم وقاذفاتهم المستوردة من الخارج والتي لاقت رواجاً وانتشرت كثيراً في أوساطهم , الأمر الذي يدعو للقلق على مستقبل أبنائنا، ويعطي انطباعاً بأن هؤلاء الأطفال يهيئون أنفسهم ليصبحوا في المستقبل القريب دعاة حرب وفتنة، يعتاشون على العنف وفن الاحتراب!!.
يعلق المواطن/محمد عبدالكريم على هذا الموضوع بالقول: لقد توالت علينا المتاعب خلال الأشهر القليلة الماضية من كل جانب ,ترتب عليها توقف مصالح الناس وعملية التنمية وكأنه لم يعد ينقصنا من مصائب سوى تأثر أطفالنا بما أفرزته من مظاهر عنف ليحاولوا بطريقتهم الخاصة تسليح أنفسهم وتقليد الكبار وإذا لم يتصدَ الجميع لهذه السلوكيات وتتضافر الجهود للحد منها فسوف تحل بمستقبلنا ومستقبل أولادنا الكارثة التي لا يبرد معها دمٌ عندما نكتشف بعد فوات الأوان أن هناك من شبابنا من ترعرع منذ نعومة أظفاره على تحقيق أهدافه ونزواته بالسلاح .
المشكلة متأصلة
يشاركه في ذلك الرأي المحامي/ عبدالملك صالح... ويضيف: إن مظاهر العنف التي شهدتها وتشهدها بلادنا قد أثارت في نفوس الأطفال وبالذات في المدن غريزة اللعب بالنار والأسلحة.
ويستدرك المحامي/عبدالملك: لكن مشكلتنا كيمنيين لا تقتصر على ما طرأ من سلوكيات الأطفال اليومية، بل هي أكثر بكثير ,فالمواطن اليمني هو جزء من عشائر قبلية في اقتناء الأسلحة بمختلف أنواعها وحيازتها كجزء من الرجولة وعلامات القوة ويحرص على أن يجعل أطفاله يحملونها ويتدربون بين الفينة والأخرى على استخدامها,لافتاً إلى أن هناك أطفالاً يحملون على أكتافهم بنادق آلية حقيقية وليست مجرد لعب وأعمارهم لا تتجاوز سن ال12و13 , كما أن هناك أطفالاً يحملون بندقية قد تفوق قامتهم طولاً ولديهم القدرة على التعامل معها في أي وقت وتحت أي ظرف.
أساتذة علم الاجتماع وعلم النفس يؤكدون أن مظاهر العنف وبمساهمة مباشرة أو غير مباشرة من وسائل الإعلام المختلفة، داخلية وخارجية، تؤثر في نفوس الأطفال وسلوكياتهم وطريقة تفكيرهم، وبالذات في المناطق المضطربة والتي تنتشر فيها المظاهر المسلحة من خلال تقليد الكبار في حمل جميع أنواع الأسلحة واستخدامها.
مقترحات لمواجهة الظاهرة
ونظراً لخطورة انتشار السلاح وما خلفه من أضرار بشرية ونفسية ومادية وإقلاق للسكينة العامة يطالب أستاذ القانون الجنائي المساعد بجامعة عدن الدكتور/نجيب علي سيف الجميل بضرورة نشر الوعي بمخاطر حمل السلاح الناري والعواقب المترتبة عليه, إضافة إلى جعل جرائم القتل لاسيما القتل العمد من القضايا المستعجلة التي لا تحتمل تأخير النظر فيها .. وتطبيق حكم الشرع والقانون في القصاص من كل من تمتد يده لإزهاق روح إنسان ويعمل على إقلاق السكينة العامة امتثالاًً لقوله تعالى"ولكم في القصاص حياة يأولي الألباب لعلكم تعقلون".
أما رئيس المركز اليمني للمعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان – الأستاذ/ عزالدين سعيد أحمد فيرى أنه لابد من تبني مفهوم أن الشخصية الوطنية لا تعني بالضرورة تكاملها وتميزها بحمل السلاح الناري ،وأيضاً ضرورة تبني سياسة نشر الوعي في المجتمع ، بخطورة السلاح, وعدم جدواه ، وأنه ليس مثالاً للرجولة أو الفروسية وليس من التقاليد الحميدة،إضافة إلى نشر الوعي بخطورة تداوله،وما يخلفه على المجتمع من آثار مدمرة.
يشاركه في ذلك أستاذ علم الإحصاء بالجامعة اليمنية الدكتور/عبدالعليم العريقي.. ويضيف:لا يمكن الحد من هذه المشكلة إلا بتضافر وتكاتف كل شرائح المجتمع من منظمات مدنية وأطياف سياسية وشخصيات اجتماعية وغيرها، لأن الوضع العام لا يساعد على تشكيل قوى رادعة بسبب أنه لكل مكون مغزى وهدف خاص به، لذلك لا بد من توعية مجتمعية يشترك فيها الجميع بعيداً عن الجانب السياسي على الأقل في الوقت الراهن الذي تعيشه البلاد والذي يحتاج إلى تزاوج بين الدور الشعبي والوطنيين الشرفاء ، لأن الوضع استثنائي ويتطلب تفعيل دور كافة الكيانات بمعيار اجتماعي، كون الهدف مطلبياً لكل إنسان ،فلا بد من توعية مجتمعية تساهم فيها كل الجهات والشخصيات قبل أن يقع الشر على الجميع.
وفي ظل تطور الصراع السياسي والاحتجاجات المستمرة منذ نحو ستة أشهر في أكثر من منطقة في البلاد والمواجهات بين رجال القبائل الموالين للمعارضة وقوات النظام، يصعب التكهن بوضع اليمن الجديد وتبقى الاحتمالات مفتوحة على كل الاتجاهات.
عناوين
يحتاج الوضع الذي تعيشه البلاد إلى تزاوج بين الدور الشعبي والوطنيين الشرفاء لأن الوضع استثنائي ويتطلب تفعيل دور كافة الكيانات بمعيار اجتماعي
حمل السلاح والتجوال به في المدن الرئيسية سلوك غير حضاري له انعكاسات سلبية على الأفراد والمجتمع بشكل عام
الطفل أنس .. شاهد عيان
إنه الطفل أنس ذو العشرة أشهر الذي اغتالته رصاصة الغدر التي مزقت سكينة الشارع وهدوئه لتستقر في جبين طفل بعمر الزهور، جل ذنبه أنه ولد في زمن الفجور.. دون أن يخبره أحد لماذا قتل ولأي سبب ترنح وتلاشى حلمه الصغير في لحظات معدودة ، ليصبح هو نفسه الشهيد أنس... لم يكن هذا الطفل مقاتلاً ولم يحمل بيده خنجراً ولا حتى حجراً ، بل كان يمارس حقه الطبيعي في حضن أمه التي هي بالنسبة إليه أكثر المناطق أمناً .. ولكن رصاصة الغدر تلك أبت إلا أن تغتصب منه وهو بعمر الورود أفضل لحظات عمره حيث الدفء والحنان..فأردته على الفور قتيلاً ليسدل الستار على آخر لحظات حياته التي لم يعرف أبسط تفاصيلها بعد.. لتظل الأم تذرف الدمع على مستقبل مبهم ومجهول قد لا يستثني ما تبقى لها من فلذات.
قنص الطفل أنس واقع يظهر خيانة الواقع ,إرضاء لمستقبلٍ مجهول ومشاهدٍ لا تريد أن تنتهي.. تعكس بشاعة الجرم وتحيط بكامل المأساة والتفاصيل الذابحة ..تلم بوحشية الفعل وتستنطق الجراحات المكبوتة وليس غير أحزاننا وجراحاتنا التي لن نواريها خلف الجدران ستظل تلاحق قاتل أنس صبح مساء , عدو البراءة وخصم النقاء, تسقطه كل لحظة , تمرغ وجه في الإثم , تقتله أكثر مما قتل الطفل أنس .
مشاهد فاجعة تؤثر فينا دون شك ، تدمينا ,تجرح مشاعرنا , تسكننا عذاباً ملازماً ليل نهار في اليقظة والنوم ،تخلق فينا ردات فعل متضاربة قد يضعنا نحن المسلمين في دائرة التعاسة..حيث جسد أنس كرمز طفل بريء يشير إلى وحشية الزمان والمكان التي انتهكت انتهاكاً فاضحاً كل ما تبقى من أخلاقيات وقيم لدى الإنسان من حيث كونه إنساناً في زمنٍ شحت فيه العواطف ، وجفت فيه المشاعر..
جسد الطفولة البريئة الذي ووري الثرى مودعاً أهل الدنيا ليعود إلى خالقه وجبهته تقطر دماً كشاهد عيان لذئاب قدموه قرباناً بين يدي كهنة قذرين..
حتماً سيشكو أنس الطفل قومه لخالقه وسيبث له ما حل بوطنه وناسه.. بعد أن ترك آثاراً لا يمكن أن تمحى ولا حتى بعد ملايين السنين.
وختاماً يظل التعامل الإعلامي مع مجازر بهذه البشاعة بإعتبارها سلعة خاضعة لمتطلبات السوق ورغبات المستهلك أمراً يجافي القيم والمبادئ والأخلاق ويجعل منا قناصة آخرين لكن بوسائل وأدوات مختلفة تجعل من بشاعة الدماء وكأنها جزء من حياتنا الطبيعية مع مرور الوقت وتكرار الصور.
عن حرمة الدماء..لكم نتحدث
خلق الإنسان ليعيش في أمن وسلام على هذه الأرض ، وذلك حقّه الأوّل في الحياة ، وحينما يصبح هذا الحق مهدداً بالزوال ، وشبح الخوف والرعب والإرهاب هو المتحكم بمصائر الناس- تفقد الحياة قيمتها ومعناها ، وتتحول إلى شقاء وعذاب وعائق يقف في طريق نمو الإنسان السوي ..
يلخص القرآن الكريم أهمية الأمن والسلام في الأرض وهو يروي لنا سبب اعتراض الملائكة على استخلاف الجنس البشري في هذه الأرض ، بقوله تعالى : (وإذ قال ربّك للملائكة إنِّي جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها مَن يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبِّح بحمدك ونقدِّس لك قال إنِّي أعلم ما لا تعلمون) .. حيث يصور القرآن في هذه الآية بشاعة القتل والإفساد في الأرض ، وانّه الجريمة التي حُرِم فاعلها من حق العيش على الأرض ، ومن استحقاقه لشرف الاستخلاف فيها..فالاستخلاف في الأرض يستحقه المسبحون المقدسون الذين ينزهون الله سبحانه عن الشرّ والظلم بعقيدتهم وسلوكهم ، فلا يصدر عنهم شر ولا ظلم ولا فساد في الأرض ، وشر الظلم والفساد هو القتل .. ذلكم الجرم البشع الذي بارتكابه ينعدم الأمن وتضطرب الحياة التي أخذ الله منا العهد على الحفاظ على سكينة أفرادها (وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثمّ أقررتم وأنتم تشهدون * ثمّ أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وأنتم تعلمون) ولم يفرق الله بين رجل وآخر بل كفل الأمن والسلام الاجتماعي كحق طبيعي للإنسان باعتباره إنساناً أياً كان، وجعل قتل الفرد البريء بمثابة قتل الإنسانية جمعاء ، وإحياء النفس وإنقاذها إنقاذاً للبشرية جمعاء,قال تعالى (مَن قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنّما قتل الناس جميعاً ومَن أحياها فكأنّما أحيا الناس جميعاً).
وفي موارد أخرى يدعو القرآن إلى الحوار والتفاهم مع أهل الكتاب (اليهود والنصارى )ويوضح وحدة العقيدة والأصول المشتركة في الكتب الإلهية جميعها..قال تعالى : (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلاّ الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتّخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون)..وفي موضع آخر (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالتي هي أحسن –إلى قوله - وقولوا آمنّا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون).
ولهذا نجد نبينا الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم) يثبت هذا الحق حفاظاً لأمن الإنسان ، وصوناً لكرامته وحقوقه الطبيعية في الحياة فيقول :"إنّ هذا الإنسان بنيان الله ، ملعون مَن هدم بنيانه" "مَن آذى ذمياً فقد آذاني".
والأشد حرمة هي دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم والأدمى أن تسفك وتستباح تلك الدماء والأعراض فيما بينهم البين ,الأمر الذي حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته التاريخية الخالدة في حجة الوداع بقوله :إنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم حرام كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ,في بلدكم هذا ، فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ألا هل بلغت ؟ قالوا : نعم ، قال : اللّهمّ فاشهد.
مما سبق نخلص إلى حرمة الإنسان وحرمة حياته التي يجب أن يحميها الرأي العام بوعيه وإصراره على تجسيد هذا الحق سلوكاً وواقعاً في الحياة . .

دراسات بحثية: انتشار الأسلحة في المدن الرئيسية ..ظاهرة تدق ناقوس الخطر
إن انتشار السلاح في اليمن كان ولا يزال الهاجس الأهم الذي يؤرق أمن واستقرار السلطة، ليس لكونه أداة الجريمة ووسيلتها فحسب، ولكن لارتباطه أيضاً ومنذ عصور قديمة بثقافة المجتمع اليمنى الذي يعتبر السلاح من الأمور الهامة المقدمة في كثير من الأحيان على الغذاء والملبس باعتباره وسيلة حماية-بحسب الدراسة التي أعدها الباحث اليمني نزار العبادي.
وأشارت الدراسة إلى أن للسلاح أسواقاً موجودة في أكثر من منطقة من المناطق اليمنية مثل محافظات البيضاء وذمار وعمران ومأرب، وشبوة، غير أن أشهرها وأكبرها على الإطلاق سوق جحانة التابع لقبيلة خولان ويقع على بعد 35 كيلومترًا إلى الشرق من العاصمة صنعاء، والطلح بمحافظة صعدة 250 كيلومترًا إلى الشمال من صنعاء، ويقع هذا السوق بالقرب من الحدود السعودية... وفي جولة سريعة لأسواق السلاح تلك سيشاهد أحدنا غابة من الأسلحة المتنوعة تصطف في الدكاكين والأكشاك بجانب بعضها البعض .
ويرى العبادي في دراسته أن تزايد تأثير القبيلة على اتجاهات القرار السياسي للدولة، ساهم في انتشار ظاهرة السلاح بشكل واسع النطاق في اليمن.
يشاطره في ذلك عضو هيئة حقوق الإنسان- الباحث أحمد النويهي ..مضيفاً هناك روابط أكثر عمقاً بين الحكم والقبيلة تفرض على الدولة غض الطرف عن ممارسات تهمش الأمن والسكينة العامة ,منوهاً بأن الاشتباكات المتواصلة بين مؤيدي ومناهضي النظام ستؤدي إلى مواجهات مسلحة على نطاق أوسع، وتنذر باشتعال فتيل الحرب الأهلية.
بينما توصلت الدراسة الميدانية التي أعدها الدكتور/ عبدالسلام الدار-أستاذ علم الاجتماع في جامعة تعز- واستعرضها في حلقة نقاشية نظمها مركز سبأ للدراسات بصنعاء ..توصلت إلى أنه لا يوجد حتى الآن إحصاء دقيق عن عدد الأسلحة النارية في اليمن ،وحجم تداولها ،وما تم إطلاقه من وجود (50.000.000 )خمسين مليون قطعة سلاح في اليمن لا يخرج–حسب الدكتور الدار- عن إطار التصريحات الصحفية وليس الدراسات الموثقة ,حتى وإن تداوله الإعلام اليمني في تصريحات رسمية مختلفة ، لأن ذلك الرقم -حد قوله- لم يبنَ على دراسة إحصائية للواقع ولا يخرج الأمر من التخمين.
وبحسب أستاذ علم الاجتماع في جامعة تعز فإنه يمكن لنا التشكيك برقم كهذا من خلال مراجعة الواقع نفسه ، فعدد خمسين مليون يعني ببساطة ثلاثة أضعاف عدد سكان اليمن ، وبإخضاع هذا الرقم للمناقشة يمكن ملاحظة المبالغة فيه إلى حد كبير وبالعودة إلى إحصائيات السكان والمؤشرات الديمغرافية نجد أن عدد السكان الذكور حسب آخر إحصاء رسمي يشكل ما نسبته 49.9% ,بينما تشكل الإناث نسبة 50.1% ,عوضاً عن أن نسبة السكان أقل من 15 سنة هو 48.83% الذكور منهم 50.9% وبذلك يمكن حصر عدد الرجال الذكور الذين يمكن أن يكونوا الشريحة التي تحمل السلاح بما لا يزيد عن ربع السكان أي بحدود أربعة ملايين ونصف مليون نسمة ،وبقسمة الرقم المتداول لعدد قطع الأسلحة في اليمن 50 مليون مثلاً سيكون كل شخص في اليمن لديه أكثر من اثني عشر قطعة سلاح ..لذلك يبدو الأمر مبالغاً فيه ، هذا مع الأخذ بعين الإعتبار أن معظم سكان المدن لا يحملون السلاح في اليمن.
وبإسقاطه –أي الدكتور الدار- هذه النسبة على التعداد السكاني ،ثم باحتسابه المحددات المختلفة لانتشار الأسلحة الخفيفة توصل الباحث في دراسته إلى أن إجمالي ما بحوزة اليمنيين من سلاح يقدر ب 9.98 ملايين قطعة فقط وذلك على عكس التقديرات السابقة التي تفاوتت مابين 50 مليوناً كحد أعلى وسبعة ملايين قطعة سلاح كحد أدنى .
وأظهرت الدراسة أن انتشار الأسلحة وسط السكان لا تقتصر على الريف دون الحضر وإنما منتشرة في الوسطين على حد سواء وبواقع 66,6 % في الريف و56,1 في الحضر مع تفاوت واضح من مدينة إلى أخرى .
ويخلص دكتور علم الاجتماع إلى ما خلص إليه زميلاه العبادي والنويهي من أن هيمنة النظام القبلي على الساحة الاجتماعية، وضعف السلطات الحكومية، هما العاملان الحاسمان في معادلة انتشار ظاهرة حمل السلاح في اليمن.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.