رغم خطورة بعض التحديات التي تواجه البلد، إلاّ أن الأخطر منها أن يتخذها البعض مناسبة للظهور، أو الإثراء، وأن نعول على مشاريعهم «الوهمية» في الرهان على ما هو آت.. فتلك هي الخدعة الكبرى. قبل عامين أو أكثر شغلنا أنفسنا في الحديث عن هموم «الهوية الوطنية» و«الولاء الوطني» ويومها أمطرت سماء اليمن منظمات جديدة، ومبادرات، ومشاريع تتحدث جميعها عن خطط وبرامج لتعزيز الولاء الوطني إلاّ أن كلاً منها أقام نشاطاً واحداً ثم توارى إلى يومنا هذا، وبعد أن فاز بالملايين، وأثث مقراً فاخراً بأحدث التجهيزات، واطمأن أن دعماً شهرياً سيستمر بالتدفق حتى يرثه الخلف.. اليوم وبعد ظهور دعوات مناطقية عنصرية تلعب على وتر الانفصال، عادت نفس الوجوه لتغرق الدنيا بمشاريعها، وعاد البعض الآخر يتحدث عن تأسيس منظمات وصحف ومواقع إلكترونية، وعن أرقام بملايين الريالات.. وأحلام وردية تحملها تصريحات صحافية طنانة.. والغريب أن لا أحد يسأل ماذا تفعل هذه الكيانات، وأي ثمر جناه الوطن منها، غير ارتفاع مبيعات سيارات البرادو والبورش..! سأترك لكم حرية تفسير كلامي كيفما شئتم، وإسقاطه على من شئتم، فلا يخيفني اليوم سوى أن نكتشف يوماً أننا بنينا جمهوريات من الوهم، وصنعنا شعوباً أسطورية، ولكن في مخيلاتنا فقط.. فثمة سؤال ينبغي أن يكون حاضراً اليوم: هل نحن نضحك على أنفسنا، أو أصبحنا مدمنين على الوهم وتخيلات المقايل وأصبحنا نجر الأمر حتى على حياتنا السياسية وقضايانا الوطنية المصيرية المرتبطة بمستقبل كل ماهو قادم؟! للأسف الشديد إن من يقوم بذلك ليس من نصفهم بالأميين والجهلة، وليس عامة أبناء الشعب، بل هم النخب المثقفة أو على أقل تقدير «المتعلمة» ممن أصبحوا يستثمرون معارفهم في الابتزاز أو أنانية حب الظهور دونما اكتراث بأن ذلك يتم على حساب قضايا وطنية حساسة.. وعلى حساب الهوية الوطنية، والسيادة اليمنية، والاستقرار اليمني..! عندما نراجع سجلاتنا نجد أنفسنا أمام كم هائل من المنظمات والمراكز والمبادرات والمشاريع الموضوعة على خلفية احتياجات وطنية.. إلاّ أننا عندما نرجع إلى الواقع نكتشف أن غالبيتها العظمى قد ماتت في أحد الفنادق الراقية بعد دقائق فقط من تاريخ ولادتها «الميمونة».. وهذا هو الاستنزاف الحقيقي للموارد، والخندق الأخطر الذي تنطلق منه كل حروب إقصاء القوى الفاعلة في المجتمع، والعقول، والخبرات لمنعها من إيجاد تجارب مقارنة ربما تفضح المستور وتقطع الأرزاق. أعتقد أن على الجهات الرسمية في الوقت الحاضر مراجعة سجلاتها وتدقيق هوية المشاريع والكيانات المدونة لديها، والسعي بإخلاص لفرزها جميعاً، والتخلص من الوهمية منها، لأنها أصبحت عبئاً على الدولة، وعلى الكيانات الحقيقية القادمة على التغيير، وطبع بصماتها على ثقافة الفرد والمجتمع، وممارساته اليومية. كما أصبح من الضروري جداً، إعادة النظر في تلك الاحتياجات الوطنية الملحة، والتأكد إلى أي مدى تم التعاطي معها، وخلصت مشاريعها كي لا نبقى نعيش وهم العمل، ونبني قراراتنا على مجرد ظنون وأمنيات وتوقعات.. سبقتنا إلى التهامها القوى الانتهازية