كشف الارتفاع الفاحش في أسعار السلع الغذائية عن قصور شديد في السياسات التموينية لبلداننا العربية وأتت أزمة المياه عندنا لتسهم بقوة في ارتقاع معاناة المواطنين ومع الاستسقاء الذي أمر به ولي الأمر إلا أننا لا نرى إجابة والسبب أوضح من الشمس في رابعة النهار .. مع كل ذلك زادت المعاناة ثم تكاملت المحنة بارتفاع أسعار النفط والغاز عالمياً. وبشرنا البنك الدولي بسبع سنين عجاف كسني يوسف عليه السلام ثم جاءت الاختلالات الأمنية التي أحدثتها فتن المفتنين وظلم الظالمين لتجهز على ما بقيت من طموحات في إصلاح الحال الذي كان منصوباً دائماً وأصبح اليوم مكسوراً،، مما دفع بعض الأسر إلى تصدير أبنائها إلى التسول في الخارج فضلاً عن الداخل الأمر الذي عكس صورة لبلادنا سيئة وللأسف الشديد فما المخرج من كل هذا ؟! لابد أولاً من الاعتراف بوجود مشكلة حقيقية تحتاج لمعالجة وهي ولاشك مشكلة كبيرة جداً فالطعام والأمن أعظم مقومات الحياة ولذا امتن الله عز وجل على قريش بقوله تعالى «فليعبدوا رب هذا البيت الذي اطعمهم من جوع وآمنهم من خوف » صدق الله العظيم. فلا معنى للحياة مع الجوع والخوف وهذه حقيقة لا تغيب عن أحد. لقد سمعنا الكثير عن خطط حكوماتنا العربية وعن الاستثمار الزراعي في السودان الذي يتمتع بكل مقومات الزراعة حتى ان المختصين يقدرون انه لو زرعت نسبة صغيرة من الأراضي الصالحة للزراعة لكفت العالم العربي، وكانت المملكة العربية السعودية قد أنجزت مشروعاً زراعياً استراتيجياً للاكتفاء من القمح بل وبدأت التصدير الأمر الذي ازعج أمريكا المتحكم الأكبر في أسواق القمح العالمية، فأرسلت كما يبدو تحذيراً من هذا التهور ولم نعد نسمع عن صادرات القمح السعودي ، أما سوريا التي لا زالت خارج النفوذ الأمريكي فقد حققت نوعاً من الاكتفاء من القمح وهذا إنجاز عظيم اتمنى ان تحذو بقية البلدان حذوه ، صحيح ان المياه قد تشكل عائقاً أمام هذا النوع من المشاريع ولكن يمكن الاستثمار في البلدان التي تملك هذا المورد كالسودان مثلاً ، المسألة لا تحتاج سوى إلى إرادة جادة وأموال وقد سمعنا ترحيباً من السودان بالاستثمارات العربية في هذا المجال. ان القرار السياسي توجهه المصالح وهذا أمر لا يغيب عن صناع القرار في أي بلد والمصلحة الحقيقية قد تدفع صناع القرار إلى تجاوز الخلافات والقبول بالتعاون ولو مع ابليس شخصياً ، طالما يحقق ذلك مصلحة حقيقية معتبرة لمواطنيهم وبلدانهم ، أما أن نقبل بضغوط لاتخاذ قرارات ضد مصالحنا فهذا هو الخطأ الذي يوجب إعادة النظر في كل سياساتنا والاتفاقات والالتزامات الدولية التي تعارض مصالحنا. إن أمة لا تملك غذاءها هي أمة غير ذات سيادة وهي محتلة وإن ادعت الاستقلال وغزة وما يحدث فيها أكبر مثال صارخ على الإذلال اليومي والمستمر لنا جميعاً بل إننا نشارك في هذا الحصار ، فلا يكفي ان الوقود من إسرائيل والغذاء منها والعمل فيها فذريعة الاتفاقات الدولية لا تعني المشاركة في قتل الفلسطينيين جوعاً. بقي أهم شيء في هذا المقام أين الله عز وجل من كل هذا ؟؟ لقد حضرت صلاة الاستسقاء بعد صلاة الجمعة ورأيت أننا نؤدي عملاً روتينياً لا علاقة له بالعبادة فلا خشوع ولا تضرع ولا يقين ولا صدق ولا إلحاح في الدعاء ؟ فأنى يستجاب لنا ؟ لم يحضر أحد منا بمظلته ليظهر تيقنه من الإجابة لقد توقفت المساجد عن الدعاء وصلاة الاستسقاء ! المفروض ان يستمر الاستسقاء يومياً حتى يأتي الغيث ولا يحتاج الأمر إلى دعوة أخرى من ولي الأمر فقد أمر ولي الأمر وقبل الذهاب إلى الاستسقاء لابد من إصلاح النيات والعزم على تغيير الأحوال ، إن للإجابة شروطاً ولا إجابة حتى تستوفي شروطها و«نية العامل ولا خصب الزمان» كما يقول المثل. صار الأمر خطيراً جداً فالآبار نضبت والترع جفت ولم تبق إلا رحمة الله عز وجل بنا فلنسأله تعالى بأعظم اسمائه وأحبها إليه ان يغيثنا غيثاً عاجلاً غير آجل فقد هلك الزرع وجف الضرع وبلغ الجهد مبلغاً لا يرفعه إلا أنت ياربنا فبرحمتك أغثنا ولا تعاملنا بما نحن أهله بل بما أنت أهله يارب.