لقد منّ الله عز وجل علينا بالأمطار الغزيرة ولم تشهد بلادنا منذ سنوات مثل هذا الكرم من الأمطار والذي ذهب معظمه إلى البحر لعدم وجود سدود وموانع مائية تستمر في تغذية الآبار التي تروي المزروعات حتى موسم الأمطار الآخر. وإذا كان هناك غياب للتخطيط للاستفادة من مياه الأمطار فإن التثقيف الزراعي واستخدام الأدوات البدائية في الري هي مشكلة أخرى تواجه القطاع الزراعي , غير أن آفة الآفات هي التوسع الكبير في زراعة القات الذي يحتل مساحات كان الأولى أن تحتلها المحاصيل الزراعية التي تسهم في الغذاء وإذا كانت هذه مشكلة القات من حيث المساحة الجغرافية فإنه يشكل تهديداً حقيقياً للثروة المائية فهو يستهلك ما يقل عن 40 % من المياه حسب الإحصائيات الأخيرة. وأمام هذه المشكلة تقف الجهات المسئولة عاجزة عن إحداث تغيير باتجاه التقليص من زراعة القات بالرغم من وجود تشريعات تمنع التوسع في زراعته غير أن تطبيق هذه التشريعات يتطلب جهوداً كبيرة تتمثل في التوعية بمخاطر القات الصحية والنفسية بالإضافة إلى المخاطر الاقتصادية على الأسرة والمجتمع حيث يمثل القات مشكلة اجتماعية حقيقية تستوجب إعداد الدراسات ووضع المعالجات. فقد أدى القات إلى تفكك بعض الأسر بسبب إدمان رب الأسرة على (التخزينة) وذلك على حساب متطلبات الأسرة الأخرى كالتعليم والصحة والغذاء ..... إلخ. وإذا كان الأمن الغذائي أحد أهم مظاهر الاستقلال لأي بلد فإن التوسع في الاستيراد لمواد الغذاء يهدد هذا الاستقلال وهناك دول كثيرة تسعى بكل جهد لتحقيق الاكتفاء الذاتي من المواد الغذائية حتى لا تفقد الحرية في اتخاذ قرارها. وكذا فقد منعت روسيا مؤخراً تصدير القمح بعد حريق الغابات والأراضي الزراعية الذي التهم الكثير من أراضيها الزراعية , منعت ذلك حتى لا تضطر إلى استيراد هذه المادة الحيوية. بل تسعى دول كبرى إلى الحيلولة دون حصول دول صغرى على الاكتفاء الذاتي من الغذاء أو تحقيق الأمن الغذائي وهناك دول عربية كبيرة كانت قد قطعت شوطاً في هذا المجال إلا أن تدخل الكبار منعها من الاستمرار في هذا المشروع الأمر الذي حولها إلى دولة مستوردة , وقد أعلنت مؤخراً عن صفقة قمح بآلاف الأطنان . نحن على يقين من أن الحكومة مدركة تماماً لمخاطر تجاهل هذه المشكلة بل وعلى يقين أيضاً من أنها قد اتخذت بعض التدابير لمواجهتها إلا أن هذه التدابير والجهود لا تزال في طورها الأول وهي بحاجة ماسة إلى تكثيف الجهد ووضع خطط استراتيجية بعيدة المدى للتوسع في زراعة المحاصيل الزراعية بالتزامن مع تقليص زراعة القات وبالطبع لن يكون القطاع الخاص بمعزل عن هذه الاستراتيجية، لذا فإن على الدولة أن تقدم هذا النوع من الاستثمار على غيره كونه يتعلق بأمن الناس الغذائي. فالجوع لا ينتج عنه إلا كل مفسدة والإحصائيات الحديثة تؤكد أن ثلث السكان في اليمن مهددون بالجوع ما لم تتخذ التدابير اللازمة.