الديمقراطية ليست صراعاً على السلطة، بل تنافساً على السلطة.. تنافساً فكرياً وبرامجياً بين القوى والأحزاب السياسية التي تتطلع إلى الحكم.. وكي يصل أي حزب إلى الحكم أو حزبين أو أكثر لابد أن يحظى بثقة الجماهير.. وكي يحظى بهذه الثقة يجب أن يقدم فكراً وبرامج سياسية واقتصادية واجتماعية تمثل هموم الناس وتطلعاتهم وطموحاتهم.. فالحزب الذي سيحظى بثقة الناس يعني أنه سيحصل على أصواتهم في الانتخابات ويصل إلى الحكم، وتكون فترة حكمه هي مقياس صدقه من كذب، فإما أن ينجح في تحقيق برامجه وما وعد به.. وإما أن يفشل.. فإن نجح سوف تجدد له الجماهير الثقة، وإن فشل ستخرجه من الحكم وتأتي بحزب آخر إلى الحكم.. وهكذا هي الديمقراطية. وفي ظل النظم الديمقراطية تُكفل الحريات الفكرية وحرية التعبير والنقاش والتناول للسلطة وسياساتها، وليس لرجالها وشخوصها.. فمن حق أي أحدٍ أن ينتقد البرامج والسياسات التي تتخذها السلطة، أو الحكم عموماً.. لكن نقداً موضوعياً وعلمياً، ولا يكفي الناقد أن ينقد، لكن عليه أن يكون ممتلكاً للبدائل التي يستطيع أن يؤكد صوابيتها وسلامتها.. أي أن يكون المعارض والناقد للحكم يمتلك المنهج والبرنامج البديل الذي يستطيع من خلال طرحه للناس أن يمتلك ثقتهم ويقنعهم أنه البديل المناسب للحاكم، ويدعوهم لمنحه أصواتهم في الانتخابات القادمة.. ولن يعجز حزب في الوصول إلى السلطة إذا امتلك ثقة الجماهير. هكذا هو النظام الديمقراطي، وهكذا هي الديمقراطية، بمعنى أن الديمقراطية ليست حرية الشتم والسب والتشويه والتعريض بالآخرين، وتضليل الناس وتحريضهم على الحكم، وإثارة الفتن، ونشر ثقافة الفوضى والتخريب والانتماءات العصبية والمتطرفة، وتغذية الناس بالحقد والكراهية ضد بعضهم البعض على أسس دينية أو مذهبية أومناطقية أو قبلية، وعشائرية وسلالية وأسرية.. لأن مثل هذه الممارسات والسلوكيات والأفكار والثقافات لا تؤدي إلا إلى الشر وخراب الأمة، وتدمير الوطن وحدة ونظاماً وتنمية وأمناً وسيادة واستقراراً واستقلالاً.. وبذلك فديمقراطية على هذه الطريقة تهيء الوطن لغزو الطامعين الذين لا يقصّرون أو يبخلون في تغذية وإمداد مثل هذه الديمقراطيات، أو ما يطلقون عليها (الفوضى الخلاقة)، وهي في الحقيقة الفوضى الهدامة.. وعليه يجب أن نفهم ونفرّق بين الديمقراطية والفوضى.