من حين لآخر تتحدث وزارات وهيئات عن مشاريع بلا حدود على طريق «إعادة الهيكلة» ومن فيض مبالغة البعض في سرد القصص، أصبحنا نرى بعض هذه المؤسسات كما «بنات العيد»، لايدوم الزهو لهن أكثر من بضع ساعات، ثم «كان ياماكان» !تابعت لفترة أنشطة بعض الوزارات التي تتحدث عن إعادة الهيكلة، فهالني أنها وجدت في هذا الشعار منفذاً جديداً لإعادة رسم خرائط الفساد والمحسوبية، وإعادة توزيع الأدوار على نفس الوجوه التي «أكل الدهر عليها وشرب»، لتطل برأسها مجدداً على ساحة الرأي العام وتدعي أن ذلك منجز يضاف لأرصدتها. اليوم نجد الكثير من المؤسسات الحكومية تقيم الندوات، وحلقات النقاش، والمؤتمرات في أفخر الفنادق بدعوى مناقشة خطط «إعادة الهيكلة» أو «الإصلاحات» التي تعتزم تنفيذها وتنفق لأجل هذه المظاهر ملايين الريالات، رغم أن الجميع لن ينطقوا ببنت شفه مالم تصل كاميرا التلفزيون .. فهذه الملايين المهدورة ليست إلا مقابل دقيقتين في نشرة أخبار السابعة، ليعلم رئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية بأن المسئول الفلاني نشيط ومتحرك ! في بعض الجهات الرسمية، ونتيجة للإدمان على الورش والندوات والاجتماعات ذات الكلفة العالية تعطلت الكثير من مصالح المواطنين والجهات ذات العلاقة، وبات متوقعاً جداً أن يعتذر لك الموظف بذريعة أن مديره في ندوة أو حلقة نقاش. الأمر المثير للغرابة أن شعارات «إعادة الهيكلة» أو «الاصلاحات» تختلق مسميات جديدة لأقسام وإدارات، إلا أنها لاتأتي بوجوه جديدة لها إطلاقاً.. «فالزبانية» القديمة نفسها تتقاسم المناصب الجديدة .. أو في أضعف الإيمان تأتي بوجه جديد من خارج المؤسسة لايمت للعمل بشيء سوى أنه من بعض الأقارب. ولعل هذه الظاهرة أصبحت مصدر إحباط للموظفين المخضرمين في مؤسساتهم، والذين أفنوا حياتهم في العمل والاجتهاد دون أن يطولهم تكريم بمنصب وظيفي أرقى.. كما أصبحت مصدر احباط للشباب المتفانين في أعمالهم، والمبدعين على الدوام.. لأنها باتت من أفظع الظواهر الانتهازية التي يستغل بها «الفاشلون» الكوادر المبدعة ويصادرون عليهم إبداعهم، وينسبونه لأنفسهم وهو الأمر الذي كرس لوناً آخر من الفساد القاتل، وهو فساد العقول «القيادية» للمؤسسات والتي هي السبب الرئيسي لحالة الجمود التي يعيشها القطاع العام قياساً بحالة القطاع الخاص الذي يضع الكفاءة والخبرة في طليعة أولويات المفاضلة بين العاملين لديه. ذات يوم دخلت إحدى الوزارات وتعرفت على شخص قيل لي إنه وكيل الوزارة، ويومها لم أنم ليلتي لأن ذلك الوكيل لايزال صغير السن! فبقيت أتساءل : متى تخرج هذا الوكيل من الجامعة ؟ ومتى دخل قطاع العمل ؟ وكم هي سنوات خبرته ؟ وماهي التجارب التي خاضها لينال ثقة الحكومة فتمنحه درجة وكيل وزارة !؟ لكن الطامة الكبرى أن هذا الوكيل اليافع صعد إلى المنصب تحت شعار «إعادة الهيكلة » و« الإصلاحات». للأسف الشديد نقول إن بعض الوزارات تبتلي العمل التنموي بمظاهر جديدة من الفساد، دونما اكتراث لمستقبل الوطن، ودونما احترام لإرادة شعبية وطنية