عبر التاريخ اليمني الطويل والمشرق كانت وحدة الأرض والإنسان اليمني هي القاعدة وهي الأساس وفي ظلها شهدت بلادنا أوج انطلاقتها وحضارتها التي ملأت آفاق الدنيا حتى اطلق عليها «العربية السعيدة» أما التجزئة والتشطير وشتات اليمن في بعض المراحل التاريخية فلم يكن سوى استثناء وخروج عن الخصائص والخصوصية الديموغرافية، والجغرافية والتاريخية الواحدة. ألم يقل ابن خلدون الحضرمي في كتابه «العبر» :« إنه ليس بين الناس خلاف في أن قحطان أبو اليمن كلهم»؟! ألم تكن اللغة الواحدة التي ينطق بها كل اليمنيين،وهي التي شكلت أصل لغة العرب؟! ألم تكن وحدة قلم المسند الذي كان اليمنيون يكتبون به لغتهم في العصور القديمة؟! ألم تكن وحدة الاقتصاد في زمن الحضارة اليمنية وممالك سبأ،وقتبان ،وأوسان،ومعين،وحضرموت بمشاركتهما معاً فيما كان يعرف ببترول ذلك الزمان وهي تجارة البخور واللبان والمضي معاً في طريق القوافل؟! إذن لم تكن الوحدة اليمنية المباركة وليدة يوم 22مايو 1990 بل هي إعادة توحيد والتئام الكيان الواحد،وعودة الاعتبار لوحدة الأرض والإنسان اليمني بعد شتات طويل ،وحدة أهل الإيمان والحكمة،قال الرسول صلى الله عليه وسلم: « المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً». ففي ذلك اليوم المشهود الجميل،وتحت سماء مدينة عدن ثغر اليمن الباسم وحضنها الدافئ كان لسان حال اليمنيين يقول مع الشاعر: هيا نجدد للبلاد شبابها متكاتفين على الزمان الأنكد كنتم وكنا والبلاد بلادكم وبلادنا فعلام لم نتوحد فكانت الوحدة تأكيداً بأن المعجزات وليدة الرجال المتحدين وأن في الوحدة تتجسد قوة اليمنيين وخيرات اليمن،وهي وكما كانت دماً يجري وينبض في الجسد،فهي أيضاً دين مستحق ،قال أحمد شوقي: وللأوطان في دم كل حر يد سلفت ودين مستحق ولاشك أن هذا المنجز العظيم لم يكن حلماً ورغبة يمنية خالصة،ولكنه كان حلماً ورغبة عربية ظلت تتأجج وتلح في أعماق أمتنا العربية من المحيط إلى الخليج، ومن أمد طويل ،بكونها عبرت عن طموحاته القومية التي تشهد انتكاسات بسبب الخلافات،وعدم توحيد صفوف العرب. وهي تجربة عربية فريدة مزجت بين الدافع الشعبي والإرادة السياسية،وإعادة للتلاحم الذي تفكك قسراً وفرضاً، والتأكيد على أن اليمن واحد ،وغير قابل للقسمة على اثنين. وأن اليمن مهد العروبة ومنطلق هجراتها البشرية الأولى ،هو هذا اليمن الذي يوجد اليوم بوحدته التاريخية والحضارية والجغرافية والسياسية،يمن المصير الواحد. ولهذا كانت إعادة تحقيق الوحدة اليمنية التي نحتفل بعيدها الثامن عشر أنموذجاً فتح طاقة أمل في تحقيق الوحدة العربية الشاملة،وحلماً يداعب كل القلوب،وإنعاشاً للجسم العربي السقيم،والمثخن بالجراح،ويعيد التفاؤل بإمكان ترميم مايصيبنا من انكسارات وتمزق.