يعلم العقلاء في كل أنحاء الأرض أن الإنسان الكامل ليس له وجود، فالكمال المطلق لله وحده، وليس هناك من هو معصوم من الإتيان بما يعيبه الناس عليه ومن ارتكاب الأخطاء غير رسول الله «صلى الله عليه وسلم» لكن هناك من الناس من تتسم أعمالهم بالنضج، حيث يرى الناس في أعمالهم قدرات خلاقة في مواجهة المسائل الصعبة والمشاكل المعقدة.. ولأول مرة في تاريخ اليمن يوضع أكثر من عشرين «محافظاً» تحت الاختبار في آنٍ واحد وفي فترة زمنية واحدة، اختارهم الناس لا ليكونوا فوقهم ولا ليكونوا تحتهم وإنما ليكونوا معهم. يسمعون أنين المقهورين ويشعرون بخفقات قلوب من وقع عليهم الظلم والإجحاف فينصفونهم ويردون إليهم حقوقهم قدر المستطاع بالتعاون والتنسيق مع القضاة المخلصين ورجال الأمن الأوفياء لوطنهم ومبادئهم وعقيدتهم. سيكون في وسع المحافظين الذين حظوا بثقة المواطنين أن يوقفوا المتكبرين والمتجبرين من المتنفذين إن وجدوا عند حدود العدل والإنصاف حتى لا يطغوا ولا يتجبروا على الضعفاء الذين لا يستطيعون الوقوف أمام صلفهم وأطماعهم. سيكون بإمكان المحافظين الذين يجدون السند والاحترام والتقدير من المواطنين أن يحولوا دون نهب الأموال العامة والسطو على أراضي الأوقاف والاستيلاء على العقارات والحصون والقلاع النائية باسم حمايتها من العابثين والطامعين وأصحاب النفوس الضعيفة والذمم الواسعة؛ ولو حموها من أنفسهم لما تعرض لها غيرهم!!. سيكون في إمكان المحافظين الذين حظوا بثقة الناس وحبهم أن يحولوا دون العبث الذي يشارك فيه المقاولون والمهندسون من أصحاب الذمم الخربة والبطون النهمة التي لا تشبع أبداً من أكل الحرام فيتحايلون على المناقصات، فيجدون من يتواطأ معهم، حتى إذا ما ظفروا ورست عليهم المناقصة باعوها على أول جائع يتواطأ معهم في شرائها بأقل سعر لكي يقوم هذا الجائع الجديد بتنفيذ العمل في أسوأ شروط وأردأ طريقة وأقل تكاليف. أو يقوم ببيع المناقصة على جائع جديد قد أصابه الهزال واعترته النحافة؛ فما أن يحصل على العطاء وتصبح المناقصة ملك يمينه حتى يبدأ معالجة هزاله والعناية بنفسه، فما يتبقى في يده صار لا يكفي إلا لشراء بعض الهدايا والهبات والإكراميات للموظفين الكبار الذين قد تمرّسوا على مواجهة مثل هذه المواقف. فليس صعباً عليهم إخراج صاحبهم من المأزق مثلما تخرج الشعرة من العجين، معتمدين بذلك على فساد رؤسائهم الذين سبق لهم أن تواطأوا مع المقاول الأول ومع المهندسين الذين سمحوا بانتقال المناقصة من مقاول إلى آخر حتى لم يبق منها إلا الكفاف في نهاية الأمر!!. يستطيع المحافظون الذين اختارهم الناس أن يكونوا خير ممثل لرئيس الجمهورية الذي قطع عهداً على نفسه أمام الله وأمام الأمة أن يستأصل الفساد من جذوره، ولا يسمح لأصحاب المناصب الكبيرة والوجاهات أن يستغلوا نفوذهم وسلطاتهم في نهب حقوق الناس أو العبث بالأموال العامة. ولن يستطيع المحافظون أن يفعلوا شيئاً من هذا كله إلا إذا بدأوا بأنفسهم وبأقاربهم وأصدقائهم، ثم إزالة العقبات الكأداء التي تعترض طريق الإصلاح والتغيير. هذه العقبات هي أخطر ما يعوق الإصلاح والتغيير، وهي ممثلة بالفرقة المدرعة من المنافقين والمنافقات الذين يقفون في طريق المسؤول يملأون رأسه كبراً وغروراً وصلفاً، ويزينون له القبيح وينفرونه من أن يكون صادقاً ووفياً في تعامله مع الآخرين. ثم تأتي بطانة السوء لكي تُحكم حلقة القبح حول المسؤول؛ فلا يستطيع أن يتنفس إلا هواء فاسداً قد لوّثه خبث المنافقين ومكر البطانة الفاسدة. فأي مسؤول يريد أن يعمل ويحقق إنجازات عظيمة تشهد له عند الله وتخلّد ذكره بين الناس فليكن حريصاً على أن تكون له (مكنسة) ذكية، تكنس العقول الصغيرة والنفوس الضعيفة والهمم الكليلة والعزائم الفاترة التي تعمل فرادى أو جماعات كمثطبات للعمل الجاد وتحقيق الإنجازات العظيمة. يقولون للمسؤول: لا تتعب نفسك في العمل الشاق والاجتهاد المضني من أجل هذا المجتمع الذي لا يثمر به (عيش ولا ملح).. (مجتمع حارق).. (ناكر للجميل).. (اليوم يصفق لك) وغداً (يسبّك) اليوم (يحتفي بك) وغداً (يلحو جلدك) إلى غير ذلك من عبارات التثبيط وزعزعة الثقة وإيجاد فجوة أو هوة سحيقة بين المسؤول وبين عامة الناس وخاصتهم. هذا المكر وهذه الألاعيب لا يجب أن تنطلي على فطنة المسؤول الذكي، فالناس في معظمهم طيبون وأوفياء ومخلصون، والدليل على ذلك أنهم قد تحملوا الكثير من أسباب القهر من بعض المسؤولين فصبروا عليهم وتحملوا أذاهم حتى اقتلعهم الله من فوق رقاب الناس، فكيف يكون حال الناس مع من يعمل لصالحهم؟!. لقد وجدنا من يدافع عن أخطاء القساة والغلاظ من المسؤولين أثناء وجودهم، فلما تركوا الوظيفة أو هي التي تركتهم وجدنا أولئك الذين كانوا يدافعون عن الأخطاء قد تحولوا عن أصحابهم فصاروا يهاجمونهم حتى على الصواب!!. باقة من الورد نقدمها لمحافظ تعز - ليس نفاقاً - وإنما من أجل هذا السبب الذي نوضحه: لقد اعتاد المحافظون أو المسؤولون في كل المحافظات أن يشعروا المرافق الحكومية بقدومهم؛ فإذا بهذه المرافق وقد لبست حللاً من الزينة المزيفة؛ وأخفت كل معالم القبح والتردّي في الأداء. أما حمود خالد الصوفي، محافظ تعز؛ فقد قرر أن يرى الأمور في مرافق الدولة على حقيقتها دون «مكياج» من أجل ذلك. فهو يستحق أكثر من باقة ورد، لقد استنَّ سنة حسنة نرجو أن يستمر عليها ولا يفارقها، فليس هناك أفضل من الزيارات المفاجئة لمعرفة الحقائق في مرافق الدولة ومؤسساتها.