من المعروف أن الجامعات اليمنية الحكومية هي مؤسسات تتبع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وهو مايعني أن تخضع كل هذه الجامعات دون استثناء لأنظمة ولوائح موحدة، لكن مانجده أن كل جامعة لها لوائحها وأنظمتها الخاصة بها سواء في المواد الدراسية المقررة وترتيب دراستها ومعدلات ومعايير القبول ونظام التسجيل، وكأن كل جامعة مستقلة بذاتها. فمثلاً نجد هناك اختلافاً في المواد الدراسية المقررة بين جامعة وأخرى؛ فهذه الجامعة تدرس تلك المادة في إحدى كلياتها في السنة الأولى، بينما تلك الجامعة تدرس نفس المادة في نفس الكلية في السنة الثالثة، وغيرهما تدرسها في السنة الثانية، ورابعة تدرسها في السنة الرابعة، وهكذا تتم العملية في العديد من المواد ولا ندري ماهي الحكمة من هذه الاختلافات وماهو المنطق في مثل هكذا تباينات ؟! قد يكون من الطبيعي والمقبول أن يكون هناك اختلاف في معدلات القبول وحجم الطاقة الاستيعابية بين هذه الجامعات، باعتبار أن هذه العملية ربما تخضع لعدة أسباب ومنها نسبة الكثافة الطلابية من متخرجي الثانوية العامة في كل محافظة، والتي على ضوئها يتم تحديد الطاقة الاستيعابية لهذه الجامعة أو تلك، ولكن هل من المقبول والمعقول أن محافظة تعز مثلاً المعروفة بكثافتها الطلابية لا تستطيع جامعتها استيعاب أكثر من «40» طالباً وطالبة في كلية الطب، بينما كليات الطب المماثلة في الجامعات اليمنية الحكومية الأخرى في بقية المحافظات تستوعب كل كلية بحدود «150» طالباً وطالبة في العام. أمر عجيب يدفعنا للتساؤل والبحث عن الأسباب الكامنة والخفية وراء مثل هكذا فروق، و«إذا عرف السبب بطل العجب»! أحد الزملاء - وبعد أن حصدت ابنته معدلاً مرتفعاً في الثانوية العامة يؤهلها لدخول كلية الطب مع رغبتها بالانتساب لهذه الكلية - ذهب إلى كلية الطب بجامعة تعز وكله أمل في أن يحقق رغبة ابنته ويسجلها في الكلية، لكنه تفاجأ بأن ابنته «حسب القائمين على الكلية» غير مؤهلة للانتساب للكلية، وعندما استفسر عن السبب، أوردوا له مبررين، الأول أنها لم تستطع تجاوز اختبارات القبول التي تعد شرطاً أساسياً وجواز مرور للتسجيل في الدراسة بالكلية، أما الثاني فهو ضعف الطاقة الاستيعابية لهذه الكلية والتي لا تتجاوز حاجز ال«40» طالباً وطالبة.. هذان المبرران كانا مصحوبين بنصيحة مجانية مفادها بأنه ليس أمام ابنته في حال رغبتها بالانتساب لكلية الطب ولعدم قدرة الكلية على استيعابها إلا بالمرور عبر بوابة التعليم الموازي الذي يدُفع إليه الكثير دفعاً. إذاً كل هذا الموال واختبارات القبول والطاقة الاستيعابية المحدودة الهدف منه الوصول بالطالب إلى الالتحاق بالتعليم الموازي، وسامح الله اختبارات القبول التي تستقصد البعض بحيث تصبح عصية عليهم وتظهرهم فاشلين ولا تترك خياراً أمامهم سوى المرور عبر بوابة التعليم الموازي ومكابدة تكاليفه ونفقاته المرتفعة.. وهناك الكثير من مثل هذه الحالة والذين حرمتهم المعايير المزاجية من تحقيق أحلامهم بالطريقة الطبيعية وأجبرتهم على دفع ثمن باهظ لتحقيق هذه الأحلام يتمثل في أقساط رسوم هذا النوع من التعليم الذي لا يستطيع أغلبهم تحملها. وفي اعتقادي أن جامعاتنا كانت أفضل حالاً قبل أن يظهر مايسمى بالتعليم الموازي الذي صرف الجامعة عن دورها العلمي والمعرفي والتنويري إلى دور تجاري للبحث عن المال وزيادة الإيرادات والجباية من الطلبة باسم الرسوم الدراسية، بدلاً عن تحسين التعليم الجامعي وتجويده، وماذا أبقت جامعاتنا الحكومية للجامعات الخاصة وهي تسعى لتقليدها في الاهتمام بالمال عوضاًَ عن العلم والمعرفة ؟!