في بعض محطات الراديو والتلفزيون العربية يوجد ما يسمى ب«لجنة الاستماع» تضم فريقاً من الخبراء الإعلاميين والمثقفين والأدباء، تعمل هذه اللجنة على اختيار الكفاءات الإذاعية، مظهراً وأناقة وحسن أداء، ويأتي الصوت أولاً، "فالأذن تعشق قبل العين أحياناً". ولقد تحدث أحدهم إلى أخ عزيز يطلب إليه أن يتوسط لابنه وهو خريج إعلام القاهرة ليعمل مذيع راديو، فقال له: بشرط أن أسمع صوته أولاً، فطلب إليه وقد أحضر جهاز تسجيل أن يقرأ من الجريدة أمامه بعض الأخبار. فقرأ الفتى، فإذا هو ينطق الجيم شيناً، على غرار بعض المذيعات، والعين ألفاً، على غرار لهجة تهامة، والقاف كافاً، والراء مكرراً، والذال دالاً على لهجة عدن!!. وهكذا اتضح أن أبجدية الأخ ومخارج حروفها ليست أصلية؛ وإما بالإنابة أو النيابة، فقال له: حسناً، سوف أتحدث مع أبيك فيما بعد، فلما طلبه هاتفياً، قال له: أقترح أن لا يكون الولد مذيعاً، فلربما ينفع في مجال إعلامي آخر. وقيل إن الفنانة "نجاة الصغيرة" طلبت في أول حياتها الفنية من الأستاد العقاد أن يتوسط لها لتكون مذيعة في إذاعة القاهرة، فقال لها: إن صوتك للغناء وحسب. وكان الأستاذ العقاد يعرف الصوت من خلال الوجه، كما يقول، ولما كان واحداً من هيئة الاستماع فقد قرر عدم صلاحية ألف مذيع على مدار سنوات بقائه في هيئة الاستماع. ومن الطريف أن كثيراً من الذين لا تتوافر شروط الصلاحية فيهم أنهم يخلطون بين «الذال والزاي» وهي سمة مصرية غالباً، ولما كان الأستاذ عبدالله حمران وزير إعلام تقدم أحدهم بوساطة كبيرة ليكون مذيعاً، فكان أن اتصل بالمتوسط قائلاً: هذا يصلح «أسطى»!!. وأحياناً أستمع «قهراً» لمذيع أو مذيعة؛ فأجدني بين حالة من الأسى والضحك؛ لأن العبارات تنطق على هذا النحو: «أئزائنا المشاهدين المهترمين، شاءنا هذا الإئلان تؤلن مسلحة الدرائب عن الكيام بمساد ألني، أن بيئ سيارة كروص تاويتا؛ وذلك يوم الخميس الهادي أشر من شهر أجوستس في الآشرة سباهاً.. وستفته المداريف بأد يومين من تاريخ الإئلان، وشكراً». وترجمة هذا إلى العربية على النحو الآتي: «أعزاءنا المشاهدين المحترمين، جاءنا هذا الإعلان.. تُعلن مصلحة الضرائب عن القيام بمزاد علني عن بيع سيارة كروز تويوتا، وذلك يوم الخميس الحادي عشر من شهر أغسطس في العاشرة صباحاً، وستفتح المظاريف بعد يومين من تاريخ الإعلان، وشكراً». وكان أستاذنا اللغوي الكبير الراحل رمضان عبدالتواب واحداً من الذين يقومون بحرب شعواء على الذين يعتدون على اللغة العربية ظلماً وعدواناً في الإعلام المصري. بل إن الدكتور عبدالصبور شاهين - وهو أحد أعلام اللغة العربية - قد طلب في أكثر من خطبة جمعة أيام كان خطيب الجامع الشهير عمرو بن العاص أن يُقدم الذين يستخفّون باللغة العربية إلى القضاء لينالوا جزاءهم العادل. وباختصار فإنه ينقصنا مذيعون تتوافر فيهم الشروط الفنية، أما العلم فسيأتي.