الاسبوع الماضي تلقيت دعوة من أحد الاصدقاء بمنطقة الأحساء بمديرية الحداء لزيارة المتحف الأثري بالمنطقة وكنت أتوقع أن ألمس على أرض الواقع وجود مبنى رسمي يضم محتويات هذا المتحف. ولكن المفاجأة أن صديقي صاحب الدعوة أشار إلى أن المتحف موجود في منزل الأخ عبدالله علي الفقيه حيث قام بتفريغ جزء كبير من منزله لاحتواء الآثار التي يمتلكها وما إن دخلنا المتحف السفري حتى انبهرت واندهشت بما شاهدت من قطع أثرية تعود إلى عصور وحقب تاريخية قديمة والتي تمثل ثروة هائلة للوطن، قطع معدنية أثرية تفوق أعدادها أكثر من خمسة آلاف قطعة متنوعة بين ذهبية وفضية وبرونزية، تماثيل ونقوش تاريخية، أختام أثرية تعود إلى عصور زمنية سحيقة، منحوتات ورؤوس نبال برونزية، أوانٍ من العقيق، مخطوطات أثرية وتاريخية، مجسمات في غاية الروعة والجمال، معروضات ومشغولات فلكلورية بديعة، آثار فعلاً تدهش ولعل ما يدهش أكثر أن كل هذه الآثار هي نتاج جهود وإمكانيات شخصية للحاج عبدالله الفقيه الذي يعشق جمع الآثار والأشياء القديمة ويقوم بحفظها بأسلوب جميل وبتقنيات دقيقة تضمن الحفاظ على خامتها وعدم تعرضها لعوامل التعرية. منذ العام 8991م والحاج عبدالله يشتري من الأهالي ما يتحصلون عليه من قطع أثرية من خلال الحفريات التي يقومون بها في منطقة ريدة والجبل الأحمر الواقعة على الحد الفاصل بين مديرتي جهران والحداء وبحسب أبناء المنطقة فإنه ما يزال هناك العديد من المناطق الأثرية المغمورة والتي تحتوي على آثار ونقوش ثمينة تحتاج فقط لتحرك من السلطات المختصة لاستكشافها والتنقيب عنها خوفاً من أعمال الحفر العشوائية التي يقوم بها بعض الأهالي بحثاً عن الآثار والتي تؤدي إلى تدميرها وضياعها. والغريب في هذا الموضوع أن « متحف الحاج عبدالله الفقيه» لايحظى بأي رعاية أو دعم واهتمام من قبل السلطات المختصة بالحفاظ على الآثار فمنذ العام 8991م والمطالبة مستمرة ببناء متحف رسمي يحتوي هذه الآثار التي تفوق في قيمتها ومكانتها ما يحتويه المتحف الإقليمي بمدينة ذمار وبقية المتاحف على مستوى المحافظة ولكن دون جدوى، وما يزال الحاج عبدالله ماضياً في ممارسة هوايته بجهد شخصي وإمكانيات مادية ذاتية وكله أمل أن تستجيب الجهات المختصة لمطلبه ببناء متحف رسمي يضم كل الآثار التي ماتزال الكثير منها مكدسة في أماكن مغلقة لعدم وجود مساحة كافية للعرض وليس له أي شروط أو مطالب سوى توفير المبنى والإسهام في التنقيب عن الآثار في المناطق المشهورة بذلك بالمنطقة والتي تزخر بها وبكميات هائلة. حقيقة صدمت لحالة الإهمال واللامبالاة التي تبديها السلطات الرسمية حيال متحف يحتوي آثاراً قيمة ونفيسة تعد بحق ثروة وطنية تمثل رافداً من روافد السياحة الأثرية في بلادنا وما صدمني أكثر أن هذه الثروة أضحت شيئاً هيناً لا قيمة له وصارت الجهات المختصة تشجع - على مايبدو- المتاحف الخاصة المملوكة للمواطنين وتحفزهم ،وذلك بإهمالها وإغفالها العبث والمتاجرة بالآثار التي تحمل تاريخ بلد وهو أمر مستغرب من النادر جداً أن نشاهده في أي بلد أو قطر في العالم، وبقدر صدمتي من الجهات الرسمية أعجبني كثيراً موقف الحاج عبدالله والجهد التاريخي الذي قام به والذي استنزف منه مبالغ مالية باهظة لحفظ الآثار وحمايتها وإصراره على أن يمضي به إلى دائرة الضوء والرعاية والاهتمام من قبل السلطات المختصة علاوة على وطنيته التي جعلته يرفض العديد من المغريات التي قدمها له بعض الاشخاص محليين وخارجيين لمساومته على بيع هذه الآثار والمتاجرة بها فظل صامداً أمام هذه المغريات ، وظل ومايزال يمنح الآثار جل اهتمامه ولشغفه بها دفع بأحد ابنائه لدراسة الآثار بجامعة ذمار، فهل يعقل أن يبلغ اهتمام الحاج عبدالله بالآثار أكبر وأعظم من اهتمام هيئات ومؤسسات حكومية تنفق عليها الدولة ملايين الدولارات بهدف رعاية وحفظ ودعم الآثار، بالتأكيد لايعقل هذا ولكنه الواقع الذي لانستطيع نكرانه.. وفي الأخير هي دعوة أوجهها للإخوة في الهيئة العامة للآثار والمتاحف ولكافة المختصين والمهتمين بالآثار والمتاحف بزيارة هذا المتحف الذي اطلق عليه صاحبه اسم الرئيس الصالح بالأحساء بمديرية الحداء لعل وعسى أن تثمر هذه الزيارة عن بناء متحف بالمنطقة يجعل للحاج عبدالله وأولاده الحق في استخدام «ديوانهم» الكبير في أعمالهم العائلية بلا قيود أو حواجز أو موانع والتخلص من المتحف المنزلي الذي يستحق القائمون عليه أن تخلع لهم القبعات عرفاناً وتقديراً لما قدموه وما بذلوه من جهود مضنية ومكلفة يستحقون منا أسمى آيات الشكر والتقدير ويستحقون من السلطات المختصة الدعم والرعاية والاهتمام والتشجيع. والله من وراء القصد.