الحياة موجب وسالب.. رجل وامرأة .. حكم ومعارضة.. خطأ وصواب.. وحدة وتجزئة.. ديمقراطية ودكتاتورية.. عدالة وظلم.. خير وشر.. علم وجهل.. كفاية وحاجة..إلخ.. هكذا أراد الله للحياة أن تكون محكومة بمجموعة من النواميس والقوانين الجدلية الدائمة الثورة في سياق الحركة والتغيير والتطور الذي له بداية معلومة وليس له نهاية محددة بالزمان؛ لا يمكن للإنسان الذي أعدّه خالقه للاستخلاف على الأرض إلا أن يكون بمستوى القدرة على تحمل المسئولية في مجمل علاقاته مع ذاته ومع نوعه ومع الظروف الطبيعية المحيطة به ومع خالقه الأعظم. لأن الانسان هذا الكائن الجدلي هو العاقل الوحيد القادر على الفاعلية في سباق العلاقة المصيرية بين إحساسه بالحاجة إلى الثورة على ظروفه ورغبته في تحقيق أقصى قدر من الكفاية الحياتية والحضارية للتطور من خلال قدر معقول من العلم وقدر معقول من العمل ومن خلال إحساسه المسئول بالحاجة إلى الوحدة وبالحاجة إلى الاختلاف بدافع الحرص على الأخذ بالأفضل في السياسة وبالأفضل في الاقتصاد وبالأفضل في الاجتماع والثقافة والتشريع والتنظيم. ومعنى ذلك أن التعدد والتنوع قوانين حتمية توجب الديمقراطية في السياسة والنظام في المعاملة والعدالة في الاقتصاد بحثاً عن قدر معقول ومقبول من التوازن بين السلطة السياسية وبين الثروة الاقتصادية بما لا يؤدي إلى طغيان أحدهما على الآخر والسيطرة عليه بطريقة فوضوية تفتقد إلى عدم الانسجام وعدم التناغم بين الديمقراطية وبين العدالة بين الحكم والمعارضة بصورة تنعكس سلباً على الوحدة الوطنية لهذا الشعب وعلى أمنه واستقراره. صحيح أن الموجب هو القوة الجاذبة للاتجاهات الأيديولوجية المتنافسة على ثقة الهيئة الناخبة المندفعة بشرعية سباق الثورة على التقدم إلى الأمام؛ إلا أن الأصح من ذلك أن السالب هو الطاقة الكامنة المحركة للثورة على الأسوأ من خلال وحدة الأضداد وصراعها الدائم السيرورة والثورة. ولا يمكن النظر إلى الموجب برؤية ايديولوجية مجردة دون الدخول في المعتركات السالبة المحركة للتنافس في سباق العملية الانتخابية السياسية بأبعادها السياسية والاقتصادية الباحثة عن التطور الذي يبدأ بالحاجة ويعبر إلى قدر من الكفاية المحدودة بالحدود النسبية لقدرة الشعوب على الحركة والتغيير والتطور من خلال الديمقراطية القائمة على التعددية الحزبية والسياسية والتداول السلمي للسلطة. أعود فأقول إذا كان الانتماء للوطن والثورة هو المشترك المجسد للوحدة الموجبة لقدر من الاتفاق والتعاون بين الأضداد سواء كانوا أحزاباً وتنظيمات سياسية حاكمة ومعارضة أو كانوا منظومات من البرامج والسياسات والقناعات المميزة لتلك العلاقة الديمقراطية المتنافسة في سباق التداول السلمي للسلطة؛ فإن الاعتقاد بقدرة البعض على الالتفاف على الآخر ومغالطة الهيئة الناخبة صاحبة القول الفصل في منح النجاح والفشل لهذا المرشح أو ذاك يندرج في نطاق المناورة والمغامرة المؤدية إلى الفشل أكثر من قدرتها غير الصادقة على النجاح المحكوم بتقييم الآخر. أقول ذلك وأقصد به أنه يخطئ من يعتقد أنه بمستوى القدرة على تفصيل النظم والقوانين والآليات الانتخابية على مقاسه عن طريق الخطابات والكتابات والمواقف الاتهامية ذات الظاهر المغاير للباطن طالما كان بمقدور الهيئة الناخبة على اجراء المقارنة وعلى المفاضلة المحكومة بالسلوك العملي مهما كانت القدرات الدعائية اللا مسئولة على التشويه والمغالطة النظرية. لقد حصلت أحزاب المشترك من الحزب الحاكم عبر رئىس الجمهورية على كل ما خطر ولم يخطر على البال من التنازلات إلى درجة حوّلت فيه القانون إلى ما يشبه المقالة السياسية نظراً لما أوردته من التفاصيل والقيود على الممارسة الانتخابية المبنية على التسهيل والتبسيط بصورة أثارت غضب الكتلة البرلمانية للحزب الحاكم رغم استعداده للموافقة نزولاً عند رغبة القيادة السياسية؛ إلا أن الذين يفترض فيهم الاستفادة من تلك التعديلات ما لبثوا أن تعاملوا معها بغرور المنتصر؛ غير آبهين لتقديم أسماء أعضائهم إلى عضوية اللجنة العليا المعنية بتطبيق تلك التعديلات بالإيجاب. وكان الهدف منها احراج الرئىس وحزبه أمام الهيئات والمنظمات الدولية؛ ولا أقول أمام الهيئة الناخبة العالمة بحقائق الأمور والميالة إلى التسهيل والتبسيط لممارسة حقوقها الانتخابية المكفولة، ومعنى ذلك أن تصعب الاجراءات الانتخابية وتقيدها بسلسلة من الطعون والشكاوى الكيدية سوف تؤدي سلبياتها إلى نفور الهيئة الناخبة غير المستعدة للدخول في منازعات وشرائع كيدية أمام سلطة قضائية متهمة من المعارضة بأنها ضعيفة وغير قادرة على مواكبة المتغيرات، ناهيك عن استبعاد موطن العمل وما يترتب عليه من حرمان للعاجزين عن السفر إلى مواطنهم الأصلية من الذين سوف يتم التشكيك في مقار إقامتهم من العاطلين عن العمل من الذين ينامون في الشوارع والأرصفة والحارات في محلات سكن متغيرة وغير ثابتة. وقد لا ينحصر الحرمان في نطاق الموظفين مدنين كانوا أم عسكريين من الذين يمارسون حقوقهم في مقرات عملهم، ناهيك عما سوف يفتحه من مجال للاختلاف بين مقر العمل ومقر الإقامة بطريقة الدجاجة أم البيضة سوف تتحول إلى أحد النصوص المعيقة لأعمال اللجان والمثيرة للاختلافات وما سوف ينتج عنها من تناقض المفاهيم الحزبية ستؤدي إلى خلق الإعاقات والتعقيدات وتحول دون تمكين الناخبين من الانتظار والدخول في منازعات غير مجدية إلى غير ذلك من القيود والتفاصيل التي يتحول فيها القانون إلى لائحة تفصيلية عبثية، وتتحول فيها اللائحة إلى تفاصيل مكررة للتفاصيل بصورة يستدل منها على عدم الرغبة في المنافسة الجادة أو على أخطاء السياسيين حينما يتحولون إلى مشرّعين حقوقيين يمارسون مهام نواب الشعب الأكثر خبرة بالتشريع ويفرضون عليهم مسئولية إقرار ما يتفقون عليه دون مناقشة وإصداره باسمهم بصورة معيبة ومهينة دون تدخل لتصويب ما ينطوي عليه من العيوب والأخطاء القانونية واللغوية. وهكذا سلسلة من المعوقات والممنوعات التي كتبت بلغة أقرب إلى الشمولية المثيرة للجدل منها إلى اللغة الفقهية والديمقراطية الموجبة للاتفاق وعدم الاختلاف؛ لذلك كانت الإعاقة من الجهة المستفيدة من التعديل على نحو مستفز للنواب، حيث يقال إن الأسماء كانت محل خلاف سواءً داخل الحزب الواحد أم بين الأحزاب المتحالفة، ولم يتم الاتفاق عليها وتقديمها في الموعد المتفق عليه من باب عدم الحرص على الاستفادة من التعديلات التفصيلية التي قوبلت بعدم ارتياح من القواعد الحزبية داخل أحزاب المشترك التي فرضتها وبين صفوف الحزب الحاكم الذي قبلها على مضض إلى درجة أسفرت عن وجود أزمة مفتعلة تعبر عن عدم رغبة في إجراء العملية الانتخابية في مواعيدها الزمنية فتحت المجال للكثير من المخاوف الناتجة عن احتمالات الاختلاف على تقاسم السلطة في حالة النجاح مستمدة من طبيعة الاختلاف على أعضاء اللجنة قبل تعيينها. وأمام هذه الإشكالية المفتعلة حول تعديل القانون وتشكيل اللجنة العليا للانتخابات لابد من وقفة مراجعة نقدية لجميع الأحزاب والتنظيمات السياسية المتنافسة تعيد النظر في خلافاتها وخطاباتها وتحصر الحوارات في نطاق المؤسسات الدستورية صاحبة القول الفصل في تشريع القوانين وتعديلها بدافع الحرص على المزيد من الديمقراطية السائدة في العالم. ولابد من الاعتراف أن الخلل لم يكن قط في نطاق المؤسسات والقوانين النافذة ولا في الهيئات المعنية بتطبيق القوانين بقدر ما هو خلل كامن في الممارسات غير المسئولة للأحزاب والتنظيمات السياسية الرافضة اليوم لما اتفقت عليه في الأمس والتي ما برحت تمارس الانتقائية الأقرب إلى المزاجية وإملاء الشروط غير الديمقراطية على الآخر. أقول ذلك وأقصد به أن كل طرف عندما يعتقد بأنه صاحب إيجابيات مطلقة في وجهة نظره ولا يترك لغيره سوى السلبيات المطلقة يوقع نفسه وأتباعه وأنصاره في أجواء غير طبيعية تضعف ما لديهم من الإرادات والقناعات الديمقراطية الموجبة لتغليب التفاؤل والأمل على الإحباط واليأس، وهذه هي المحصلة الفوضوية لضعف المصداقية وانعدام الثقة بين الأطراف السياسية المتنافسة على ثقة الهيئة الناخبة تجعل المهزوم يعتقد خطأً بأن التداول لا يتحقق إلا من خلال ممارسة الشطارة واحتكار الحقيقة التي تضعهم في مواضع صعبة من التقييم المحايد لما وصلت إليه التجربة الديمقراطية اليمنية من ممارسات غير مسئولة بعد سلسلة من المحطات والدورات الانتخابية النيابية والمحلية والرئاسية الغنية بالدروس والعبر التي أشاد بها العالم بأسره؛ توجب الحرص على الوحدة في موكب المنافسة الديمقراطية.