لا شك أن مفهوم الحزب الحاكم لما هو مقبل من الأيام والأسابيع والشهور على امتداد العامين الفاصلين بين الآن وبين الموعد الزمني للانتخابات البرلمانية الرابعة سوف يتقاطع مع المفهوم السياسي لأحزاب المشترك في الرؤية العامة لما يجب أن يكون والرؤية الخاصة للتفاصيل.. من زوايا وحسابات متعددة الأهداف والغايات الذاتية والموضوعية طالما كان من هم في الحكم على اقتناع بأن من هم في المعارضة يخططون للاستيلاء على موقع وسلطة الأغلبية، واستبداله بموقع وسلطة الأقلية كما هي النوايا المعلنة والنوايا المستترة وغير المعلنة للتعددية والتداول السلمي للسلطة من بوابة الشرعية الانتخابية. أقول ذلك وأقصد به عن حيادية واستقلالية أن العلاقة الجدلية بين من هم في الحكم ومن هم في المعارضة هي علاقة وحدة محكومة بمصالح ومواقف وبرامج خلافية تعكس في ماهيتها طبيعة العلاقة الجدلية الخلافية بين السالب والموجب وما يترتب عليها من تناقضات محركة للحركة والتغيير والتطور في شتى مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية... إلخ. ومعنى ذلك أنها علاقة بنّاءة يحاول فيها كل طرف من طرفي العملية السياسية أن يتقدم على الآخر بأسوأ ما لديه حيناً وبأفضل ما لديه معظم الأحيان، ومهما تظاهر أي منهما بالمثالية المقرونة بالاستعداد الظاهر لتقديم التنازلات عما لديه من نقاط القوة خلال هذه الفترة المنتهية بالعودة إلى الاحتكام لصناديق الانتخابات، إلا أنه استعداد نسبي تمتزج فيه النوايا المتضادة لوحدة السالب والموجب وصراعهما باستمرار يستدل منها على مقادير متساوية ومتفاوتة ومتناقضة من حسن النية الحريصة على المصلحة العامة وسوء النية الحريصة على المصلحة الخاصة؛ تستمد مشروعيتها من الرغبة المعقولة وغير المعقولة لتوازن المصالح وعدم توازن المصالح في سيرورة تنافسية دائمة الحركة ودائمة التغير ودائمة التطور بقصد ودون قصد. أقول ذلك وأقصد به أن اختلاف الحاجة للطرفين المتنافسين في سباق التعددية السياسية والحزبية يوجب عليهما حتماً الاختلاف في الأساليب والاختلاف في الآراء وعدم استعداد أي منهما لتكبيل نفسه بسلسلة من القيود والعوائق التي يخطط لها الآخر في رؤية للإصلاح السياسي والإصلاح الانتخابي في مفهوم لتعديل وتطوير ما هو نافذ من منظومة دستورية وقانونية مكتسبة منذ اللحظة الأولى لميلاد الوحدة والديمقراطية القائمة على التعددية الحزبية والسياسية والتداول السلمي للسلطة. لا مجال فيها لطغيان الرأي الواحد والطرف الواحد تحت أي مبرر من مبررات اللف والدوران التكتيكي والاستراتيجي اللذين يستدل منهما على الاستهبال والاستغفال الحزبي المفضوح الذي ينتج عن تضادات المنتصر والمهزوم في حوارات مبنية على خلفية دستورية وقانونية موجبة للتكافؤ بين جميع الأطراف الحزبية التي تجد نفسها مضطرة للاحتكام إلى العدالة القائمة على المساواة في الفرص مهما أسفرت عن تفاوت في الحصول على ثقة الهيئة الشعبية الناخبة التي تعكس ما لديها من قناعات منظمة في انتخابات مبنية على قاعدة راسخة من الحرية والنزاهة والشفافية. طبقاً لما هو سائد في العالم من معايير ومرجعيات دولية لا مجال فيها للممارسات الفوضوية مهما كانت القدرات الإعلامية لرجال السياسة والصحافة على قلب الحقائق وتقديمها إلى الرأي العام بغير ما شهد به المراقبون المحايدون الذين يقومون بمتابعة العملية الانتخابية التنافسية بكل ما تنطوي عليه من الاجراءات التنظيمية المستندة إلى المرجعيات الدستورية والقانونية النافذة، التي لا يمكن إلا أن تكون ناطقة بالحرية والديمقراطية. وفي هذا الإطار الواضح وضوح الشمس في رابعة النهار لا يمكن لطرفي العملية الحوارية الاتفاق على ما هو مطلوب من الإصلاحات السياسية والانتخابية إلا إذا صدقت القناعات الثنائية الحزبية واتفقت إلى هذا الحد أو ذاك مع القناعات الشعبية صاحبة القول الفصل في الموافقة على بعض التعديلات الدستورية التي لا تصبح نهائية إلا بموافقة شعبية موجبة للاستفتاء. وفي الحالتين معاً؛ فإن أي اتفاقات ثنائية لابد أن تقوم على قاعدة المراعاة للمصلحة الوطنية والعامة للشعب بدلاً من قيامها على المصلحة الذاتية للأحزاب والتنظيمات السياسية الممثلة في مجلس النواب، هذه الأحزاب والتنظيمات السياسية التي اتفقت على التمديد لأعضاء مجلس النواب واتفقت على الخطوط العامة والعريضة لعناوين الإصلاحات السياسية والانتخابية التي منحتها المبررات الضعيفة لتأجيل العملية الانتخابية؛ إلا أنها سوف تظل من وجهة نظر موضوعية قضايا خلافية تؤكد أن الشيطان حقاً يكمن في التفاصيل بما تنطوي عليه من النوايا المبنية على تناقض الحسابات وتقاطعها إلى حد التضاد، مهما أمكن لهذا الطرف أو ذاك تقديمه من الصفقات السياسية الموجبة للتنازلات لاسيما أن الحدود المعقولة والمقبولة من التنازلات غير العادلة لن تكون معقولة ومقبولة من وجهة نظر ثالثة ورابعة وخامسة تشعر أنها قد استبعدت من كل الحسابات والحوارات السياسية. أقول ذلك وأقصد به أن للصفقات وللتنازلات حدوداً وقيوداً خطيرة تنتهي إلى إخفاقات شعبية موجبة للحذر واليقظة العقلانية المبكرة بقوة، في مجتمع يقوم النظام السياسي فيه على خلفية دستورية وقانونية كفيلة بحمايته من الموافقة العاطفية على هذا النوع من الصفقات والتعديلات العفوية غير الديمقراطية الموجبة لمراعاة مصالح أولئك المغيبين بحكم عدم تمثيلهم في مجلس النواب رغم علمهم بما تخفيه النوايا المعلنة من حسابات ومكايدات ما برحوا يقيسون النجاحات المستقبلية بالإخفاقات الماضية بالتفاؤل؛ إلا أنهم ما برحوا يعولون على الثقة بحكمة وعقلانية القيادة السياسية بزعامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح الذي يمثل حجر التوازن وصمام أمان لإنجاح أية عملية حوارية تضع المصلحة العليا للوطن والمواطن فوق كل الحسابات والمصالح الذاتية المتضادة للأحزاب والتنظيمات السياسية المستفيدة من عملية التمديد وسنواته المستقبلية كبديل لانتخابات لا تشارك فيها كل الأحزاب. لذلك يلاحظ ومنذ اللحظة الأولى للاتفاق على تأجيل الانتخابات البرلمانية وترحيلها سنتين إلى الأمام أن رئيس الجمهورية ما برح يستهل خطابه مع الحكومة بلغة مختلفة ونابعة من الحرص على إعطاء المصلحة الاقتصادية والاجتماعية أولوية على غيرها من المصالح السياسية الضيقة التي ما برحت تحصر نشاطها في نطاق المطالب الذاتية للأحزاب والتنظيمات السياسية المستفيدة من التمديد والتمثيل في مجلس النواب. والتي لا ينبغي الانشغال بها إلى درجة قصوى تحول دون الانشغال بما هو أساس ومقدس من المصالح الشعبية التي يجب أن تحتل الأولوية في مجمل الاهتمامات الحكومية وفقاً لما لديها من البرامج والخطط والسياسات الاقتصادية التنموية بعيداً عن الانشغال بما يحاك للوطن من أزمات مفتعلة ما برحت تخطط في الظلام لمضاعفة ما لديه من التحديات والمؤامرات المستفيدة من تداعيات الانعكاسات السلبية المتوقعة للأزمة المالية العالمية والممارسات الفاسدة والعابثة بما لدى الدولة من الموارد والطاقات والإمكانيات المحدودة. في وقت لا صوت فيه يجب أن يعلو على صوت التنمية الدائمة والمستمرة، باعتبارها الهم الأكبر من الهموم الملحة التي لا يمكن التخفيف مما تسببه من الآلام والمعاناة الشعبية للجماهير صاحبة المصلحة في الثورة والوحدة والديمقراطية إلا من خلال الحشد الأمثل لكل ما هو متاح من الخبرات والطاقات والإمكانيات وحسن استغلالها في مجالاتها الصحيحة من أجل مستقبل أفضل؛ ولا أقول واعداً بتحقيق السعادة بالأساليب السهلة ما برح البعض يعول عليها في الوصول إلى السلطة بأساليب ديمقراطية وغير ديمقراطية مشروعة وغير مشروعة من الذين يعتقدون بأن تحقيق ما لديهم من الغايات الانتهازية لا يتم إلا بإنتاج المزيد من الأزمات التي تتحول إلى بيئات مواتية لميلاد التحديات المخيفة والمهددة للحياة والحرية والحق المعقول والمقبول من السعادة والتنمية القائمة على التناغم بين الأمن والاستقرار والاستثمار وسيادة القانون. باعتباره القوة التي لا تُقهر من قبل أولئك المتنفذين الذين لا تتعاظم مصالحهم الرخيصة إلا في الأجواء الفاسدة والموبوءة التي تهدد الوحدة الوطنية وتخلق بيئة طاردة للاستثمارات الاقتصادية المفيدة والمحققة لقدر معقول ومقبول من الرفاهية المعيشية لأولئك البؤساء الذين تمزقهم البطالة ويسحقهم الفقر المدمر للأمن والسلام الاجتماعي. لذلك لابد للأحزاب والتنظيمات السياسية من مراجعة ما لديها من البرامج والسياسات وفق أجندة وطنية مسئولة عن التخفيف من المعاناة الشعبية والاجتماعية باعتبارها الهم الوطني الأكبر قياساً بغيره من الهموم السياسية الصغيرة.