لا شك أن تعديل قانون الانتخابات العامة والاستفتاء طبقاً لما توافقت عليه الأحزاب والتنظيمات السياسية، وطبقاً لما نصّت عليه توصيات بعثة الاتحاد الأوروبي عمل ديمقراطي يعكس الرغبة المشتركة لمن هم في الحكم ولمنْ هم في المعارضة في إجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة.. وطبقاً للمعايير الدولية المعمول بها في كل البلدان الديمقراطية الناضجة والناشئة؛ على نحو يؤكد أن جماهير الشعب وهيئته الناخبة هي وحدها صاحبة القول الفصل في منح الثقة وحجب الثقة لهذا المرشح أو ذاك، ولهذا الحزب أو ذاك المستقل الذي تجد فيه قدرة على تحمل المسئولية النيابية خلال الأعوام الستة القادمة التي تفصل بين الدورة الانتخابية البرلمانية الرابعة والدورة الانتخابية البرلمانية الخامسة، ولم تعد هناك مبررات تصلح لأن تكون مادة للمزايدة والمكايدة السياسية والحزبية المعقولة والمقبولة من قبل المراقبين السياسيين المحايدين الذين ينطلقون من الحرص على المصلحة العامة. أقول ذلك وأقصد به دعوة جميع الأحزاب وجميع المستقلين الذين لهم مصلحة في إرساء القيم القانونية والتنظيمية السليمة للممارسة الحرة والنزيهة إلى الانشغال بالعملية الانتخابية وعقد النية على المشاركة الانتخابية الفاعلة فيما هو قادم من سباق تنافسي والمد بالكثير من الممارسات الناضجة التي تعكس الوعي الديمقراطي الرفيع لجماهير الشعب اليمني صاحبة المصلحة الحقيقية في الديمقراطية القائمة على التعددية الحزبية والسياسية والهادفة إلى تحقيق التداول السلمي للسلطة بالأساليب الانتخابية المتكافئة والمستفيدة من حرية الصحافة وحقوق الإنسان التي تتأكد من خلالها المعاني العظيمة للمواطنة المتساوية وسيادة القانون ودولة المؤسسات الدستورية القادرة على تحقيق المنجزات الاقتصادية والاجتماعية الكفيلة بترسيخ قيم العلم وقيم العمل الحياتية والحضارية المنشودة من قبل جماهير الشعب وفي مقدمتهم أولئك البؤساء والمحتاجون الذين تمزقهم الحاجة ويفترسهم الفقر؛ ذلك الكابوس الرهيب الذي وصفه الإمام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه بقوله: «لو كان الفقر رجلاً لقتلته». نعم أيها الاخوة، أيتها الأخوات المشتغلون بالسياسة والصحافة.. لقد آن الأوان لمراجعة المواقف واستبدال نوايا المقاطعة بنوايا المشاركة بعد أن حصحص الحق وزهق الباطل ودقّت ساعة الانتخابات معلنة نهاية مرحلة من الانشغال بالمناكفات الحزبية والسياسية وبداية مرحلة توجب الانشغال باختيار أفضل المترشحين للدخول في الانتخابات التنافسية النيابية التي توفرت لها من الضمانات القانونية والتنظيمية ما يجعلها واعدة بالكثير من المفاجآت ذات الصلة بتحقيق الموازنة بين حكمة الكهول وحيوية الشباب في مجلس النواب القادم سواء على مستوى المنافسة بين أعضاء الحزب الواحد وما تحتمه من مفاضلات مبنية على حسن اختيار الأفضل والأقدار من كوادره الفاعلة، أم على مستوى المنافسة والمفاضلة في حسن الاختيار بين الأحزاب والتنظيمات السياسية وجمهور المستقلين الذين ما برحوا يعدّون أنفسهم للدخول في معركة العملية الانتخابية. تحدونا الثقة المقترنة بالآمال المستقبلية أن الانشغال بالعملية الانتخابية القادمة بات الهم الأول والرئيس الذي يفرض نفسه على غيره من الهموم الثانوية في مسيرة ديمقراطية طويلة لها بداية وليست لها نهاية على الإطلاق، وفي ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية محفوفة بالكثير من الصعوبات والتعقيدات التي تحتم على جميع الأحزاب والتنظيمات السياسية الارتقاء بالأداء الانتخابي والنضالي إلى المستوى المطلوب والقادر على مجابهة الصعوبات وقهر المخاوف التي تنتصب أمام الجميع في مجتمع ديمقراطي تلاشت فيه جميع الحواجز والممنوعات اللا ديمقراطية المنحدرة من موروث الاستبداد الذي ما برحت قواه الرجعية المشدودة إلى عهود ما قبل الثورة والجمهورية والوحدة والديمقراطية تحلم بإعادة عجلة التاريخ إلى الخلف وعقارب الساعة إلى الوراء. مسخرة لذلك كل ما هو جميل وعظيم من الوسائل والأسباب الجمهورية والوحدوية والديمقراطية لصالح كل ما هو ذميم وقبيح من الوسائل والأساليب الإمامية والشطرية والمستبدة التي لا نتذكر منها في تاريخنا القريب والبعيد سوى الذكريات المأساوية للحروب والصراعات الدامية والمدمرة للسعادة وللأمن والسلام الاجتماعي. كيف لا أيها الاخوة الناخبون، أيتها الأخوات الناخبات وقد أكدت التجربة والممارسة العملية التالية للثورة وللوحدة وللديمقراطية أن سعادة الشعب اليمني ومصلحته الملحة تكمن في المحافظة على ما هو متاح ومكفول من الحقوق والحريات المحسوسة والملموسة في شتى المجالات الحياتية والحضارية، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية والأمنية. نستدل عليها من الخارطة الحزبية التي تعكس اللوحة الجميلة والرائعة للتعددية السياسية والحزبية، ورغبة التنافس الجاد على سلطة الحكم وسلطة المعارضة بالأساليب السلمية ومن بوابة الشرعية الانتخابية المحكومة بهيئة من الهيئات الدستورية المتعددة، ونستدل عليها من خلال اللوحة الجميلة للصحافة الرسمية والحزبية والأهلية التي تعكس التعدد والتنوع بكل ما ينطوي عليه من القيم الرفيعة للحرية. ونستدل عليها من خلال التشكيلة المتنوعة لمنظمات المجتمع المدني المشتغلة والناشطة في شتى المجالات المهنية والنقابية والتعاونية والبحثية والخيرية والاجتماعية باعتبارها المرادف الموضوعي للأحزاب والتنظيمات السياسية، ناهيك عن الصحافة الحرة وفاعلية النقد الهادف إلى اجتثاث كل ما هو قبيح وذميم من الممارسات اللا أخلاقية الفاسدة. حقاً لقد أصبح خيار المشاركة هو الخيار الإيجابي الوحيد أمام المنظومة السياسية اليمنية التي ولدت وتطورت في ظل الوحدة والديمقراطية وفضاءاتها الفسيحة التي لا حدود ولا قيود لما لديها من المساحات والمسافات القياسية ذات الأبعاد المختلفة بدافع الرغبة في إحلال الأساليب السلمية للتداول السلمي للسلطة بدلاً من الأساليب الضيقة والدامية. وإذا كانت المشاركة في العملية الانتخابية هي الخيار الإيجابي الوحيد فإن المقاطعة مهما بدت من الخيارات المتاحة المكفولة إلا أنها - للأسف الشديد - هي الخيار السلبي الذي يحمل على القائمين به من السلبيات بما لا يمكن مقارنته مع الخيار الإيجابي الواعد بالنجاح والفشل. لأن الخيار السلبي للمقاطعة لا يخلف لأصحابه سوى الفشل الذي لا أمل فيه للنجاح؛ عكس الخيار الإيجابي الواعد بالنجاح الذي يكفل لصاحبه مكانة رفيعة في ممارسة سلطة الحكم لتحقيق برنامجه الانتخابي؛ والفشل النسبي الذي يكفل لصاحبه مكانة فاعلة في سلطة المعارضة. أخلص من ذلك إلى القول: إن كل المؤشرات تدل على أنه لا بديل عن إجراء الانتخابات في موعدها الدستوري والقانوني في ال 27 من إبريل 2009م، وإن جميع الأحزاب والتنظيمات السياسية المعتمدة مطالبة بتحديد قناعاتها المجسدة لإرادتها الحرة والمستقلة ومصالحها المشروعة في تحقيق التداول السلمي للسلطة من خلال حقها في تغليب الخيار الإيجابي للمشاركة الانتخابية المؤكدة للوجود على الخيار السلبي للمقاطعة المؤكدة للإلغاء بما لا يتفق مع المصلحة الذاتية للأحزاب والتنظيمات السياسية والمصلحة الموضوعية للشعب وللوطن اليمني الواحد الذي تتكون منه الهيئة الشعبية الناخبة والقادرة على منح الثقة للأغلبية وحجب الثقة عن الأقلية؛ لأن البديل للعملية الانتخابية لا يمكن أن يجد له مشروعية من خلال اللجوء إلى أساليب غير ديمقراطية تتنافى مع الدستور والقوانين النافذة والمنظمة للحقوق السياسية والواجبات الوطنية.