الأحزاب والتنظيمات السياسية زينة العصر وأحد أهم مفاخره الحضارية الناضجة، مهما كانت سلبياتها المثيرة للقلق وتداعيات الخوف في غياب العقلانية والمنافسة غير المسئولة.. إلا أن إيجابياتها تظل بكل المقاييس هي الغالبة المرشحة للقضاء على تلك السلبيات المثيرة للاطمئنان ودواعي الإحساس بالسعادة فيما تحققه من المنجزات المادية والمعنوية في شتى مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الناتجة عن الانشغال بالعلم والعمل بدلاً من الانشغال بالصراعات والحروب الدامية والمدمرة على السلطة والثروة على خلفية استبدال الأساليب العنيفة بالأساليب السلمية، والأساليب الانقلابية العسكرية بالأساليب الانتخابية المعبرة عن ثقة الهيئة الناخبة. أقول ذلك وأقصد به أن نعمة الديمقراطية القائمة على التعددية الحزبية والسياسية والتداول السلمي للسلطة وحرية الصحافة وحقوق الإنسان تتجسد من خلال احتكام الجميع إلى المنظومة الدستورية والقانونية النافذة والمنظمة للحق والواجب والابتعاد عن الاستخدام اللا مسئول واللا معقول للحرية والحق دون مراعاة لما يرافقه من الواجب الوطني المحكوم بقاعدة صلبة ومتينة من المصداقية وما يترتب عليها من الثقة بالآخر والاستعداد الدائم للشراكة معه على قاعدة التداول السلمي لسلطة الحكم وسلطة المعارضة باعتبارهما الثنائي الذي تتكون منه العملية الديمقراطية في سيرورتها الحضارية المعاصرة التي تقدم الاتفاق على المصلحة الوطنية على الاختلاف على المصلحة الذاتية مهما كان لها من المشروعية الموجبة لتبادل النقد بدافع الحرص على البناء وتصويب الأخطاء على قاعدة الاقتناع المجرد أن الاختلاف في الرأي بين البرامج والسياسات المتنافسة على السلطة والثقة الانتخابية الدائمة الحركة والتغيير لا يفسد للثورة والجمهورية والوحدة اليمنية الثابتة قضية. أقول ذلك وأهيب فيه بكل الأحزاب والتنظيمات أن تبعد برامجها وسياساتها المتنافسة عن الدخول في المزايدات والمكايدات والمناكفات الاعلامية مكتوبة بلغة التضليل المعبرة عن رغبة انتهازية في الاستغفال والاستهبال للهيئة الناخبة صاحبة القول الفصل في منح الثقة وحجب الثقة، نظراً لما تنطوي عليه من خطورة انتخابية ذات عواقب فشل وخيمة تدفع الناجحين إلى الغرور باعتباره أقرب الطرق إلى الانتحار السياسي، وقد تدفع الفاشلين إلى الإحباط واليأس باعتباره أقرب الطرق المؤدية إلى الموت السياسي على ما بينهما من الأخطار الكارثية على الأمن والاستقرار القاتلة بالمطلق والتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة التي تستمد حياتها وحيويتها من توازن الحياة والحرية وتوازن الحق والواجب، وتوازن المصداقية والأمانة من أجل ثقة مستمدة ديمومتها من سيادة القانون باعتبارها التموضع المعقول والمقبول للعدالة المنظمة للمواطنة المتساوية بين أبناء الشعب الواحد والوطن الواحد باعتبارهم يمنيين قبل أن يكونوا سياسيين منتمين أيديولوجياً وحزبياً أو مستقلين؛ لأن المواطنة اليمنية ذات دلالات موجبة لقدسية الاحترامات بين من هم في الحكم ومن هم في المعارضة رغم اختلافهم في الآراء وفي القناعات وفي البرامج والسياسات والخطابات الدعائية التنافسية عند كل دورة من الدورات الانتخابية الرئاسية والبرلمانية والمحلية. في هذا الإطار لابد لقادة الأحزاب الفاعلة من مسافات وساحات تنافسية محدودة بالحدود الدنيا والعليا للمبالغة الاتهامية تنتهي عند أول عملية تضاد مع الصدق ومغادرته المبتذلة إلى الحديث بلغة الكذب عن طريق القلب السافر للحقائق التي تُنزل القائد والمثقف السياسي من المنزلة الرفيعة للأدب ونبل الأخلاق إلى المنزلة الهابطة والفوضوية غير المهذبة للذين يفتقدون إلى النبل الأخلاقي وما يترتب عليه من سلوكيات تفقدهم ما هم بحاجة إليه من احترام الآخرين المعبر عن انعكاسات سلبية مؤلمة لعدم احترامهم لأنفسهم فيما يصدر عنهم من المواقف الصغيرة المعبرة عن سخريتهم بأمانة المسئولية في التعامل غير الوطني وغير الأخلاقي في التعامل مع سلطة الحكم وسلطة المعارضة. أقول ذلك وأقصد به أن القائد السياسي الذي لا يستطيع تحكيم العقل وتحكيم الضمير فيما يصدر عنه من الأقوال والأفعال الاتهامية الباطلة بصورة كاذبة وزائفة لا يجد فيها ما يطلقه على الآخرين سوى الزور المطلق والفساد المطلق دون مراعاة لما تنطوي عليه قوانين التعدد وقوانين التنوع من النسبية المعبرة عن احترام الإنسان لنفسه الموجب لاحترام غيره يضع نفسه وحزبه أمام عواقب وخيمة لردة الفعل الغاضبة للآخرين التي تساويه في القوة وتعاكسه في الاتجاه إذا لم أقل تزيد على ما يصدر عنه من قوة الجرح والمعاكسة ولكن من موقع الحق في الدفاع الشرعي عن النفس، حتى ولو كان هذا القائد السياسي أميناً عاماً يحظى بقدر معقول ومقبول من الموضوعية المعبرة عن شرف وقدسية الاستخدام المسئول للكلمة والحرف في ممارسة النقد الذاتي والنقد الموضوعي البناء دون إفراط أو تفريط يصل به حد النقد الهدام. هذا السياسي الذي يعتقد أنه مطلق الحرية في عدوانيته على الآخرين لاشك أنه يقزم نفسه وحزبه في انحيازه الأناني لنفسه وما ينسبه لذاته وحزبه من كمال مطلق؛ وفيما ينسبه لغيره ولخصومه من فساد مطلق ونقص مطلق على نحو يشبّه فيه نفسه وحزبه بسلوك وأخلاق الملائكة ولا يترك لغيره من الأشخاص والأحزاب سوى سلوك الشياطين، متناسياً بأنه يشترك مع خصومه بسلوك البشر ومكانتهم الوسطية التي لا يشك أحد بأنها منطقة وسط تنطوي على نسب متقاربة ومتباعدة من الصفات المشتركة للملائكة وللشياطين قد تكون متقاربة أو متباعدة من الملائكة وقد تكون متقاربة أو متباعدة من الشياطين والعكس. أقول ذلك وأدعو فيه رجال السياسة من قادة الأحزاب والتنظيمات السياسية المتنافسة على ثقة الشعب إلى الابتعاد عن الكتابة بلغة رجال الصحافة المستبدة، ولا أقول الصحافة الحرة فيما ينسبونه لأنفسهم ولخصومهم من صفات ذميمة وقبيحة يصفون فيها أنفسهم وأحزابهم بالكمال المطلق؛ ولا يتركون فيه لغيرهم سوى السوء المطلق والفساد المطلق والزور المطلق حتى لا يضعوا أنفسهم وأحزابهم في المكانة الصعبة للمعارضة المطلقة والسلطة المطلقة الملوثة بقدر من ضعف المصداقية الأقرب إلى خيانة الأمانة منها إلى الأمانة المستمدة من عظمة الإيمان بالله. وما أحوج هؤلاء القادة والساسة إلى أن يكتبوا بلغة الصحافة الحرة والسياسة المستنيرة المحكومة بالصدق والموضوعية التي توازن بين ما هو ممكن من طموحات المصالح المشروعة وبين ما هو مستحيل من تهالك الأطماع غير المشروعة، وعليهم قبل ذلك وبعد ذلك أن لا يضعوا أنفسهم في المواقع الكاملة للملائكة؛ ولا في المواقع الناقصة للشياطين؛ لأنهم بشر يصيبون ويخطئون، يصدقون ويكذبون، ينجحون ويفشلون، يعلمون ويجهلون مهما تعاظمت أدوارهم وتقدمت مكانتهم لا بديل لهم عن الممكنات القابلة للكينونة سوى المنطقة الوسط واللغة الوسطية التي تجنبهم الوقوع داخل الدوامة العنيفة للتطرف والمراهقة السياسية بصورة تظهر الأحزب والتنظيمات السياسية بمظاهر ظالمة تنحدر بها من موقع الزينة العصرية الموجبة للفخر والاعتزاز إلى موقع الدونية المثيرة للاشمئزاز والتقزز وما يترتب عليها من سلوكيات عدوانية هي أقرب إلى الهمجية السحيقة منها إلى المدنية المعاصرة المشرقة والمشرفة للحاضر وللمستقبل.