الآن وبعد أن انتهت اللجان الأساسية من استقبال طلبات الإدراج والحذف والفصل فيها؛ تبدأ المحاكم الابتدائية وبعدها المحاكم الاستئنافية في استقبال الطعون والفصل فيها كمرحلة أخيرة من مرحلة مراجعة وتعديل جداول الناخبين.. لكي تصبح نهائية وغير قابلة للحذف والإضافة منذ اللحظة الأولى لدعوة فخامة الأخ رئيس الجمهورية للناخبين بممارسة حقوقهم في انتخاب أعضاء مجلس النواب الجدد الذين سوف يحلّون محل مجلس النواب الحالي في المحطة الانتخابية الرابعة للانتخابات البرلمانية التي شهدتها الجمهورية اليمنية في ظل الوحدة القائمة على التعددية الحزبية والسياسية والتداول السلمي للسلطة وحرية الصحافة وحقوق الإنسان. ومن الآن وحتى بداية المرحلة الثانية للترشح والدعاية الانتخابية والاقتراع والفرز وإعلان النتائج في ال27 من ابريل 2009م لا بديل أمام الأحزاب والتنظيمات السياسية الفاعلة وغير الفاعلة سوى العودة إلى طاولة الحوار وتبادل التنازلات السياسية النابعة من حرص على حرية ونزاهة وشفافية العملية الانتخابية والاقتناع بما سوف يترتب عليها من نتائج عادلة تجسد فكرة المساواة في الفرص والتفاوت في النتائج التي تعكس الثقل الحقيقي لما يمثله المرشحون المتنافسون حزبيين كانوا أو مستقلين، حكاماً أو معارضة. مدشنين بذلك مرحلة جديدة من مراحل تطور التجربة الديمقراطية اليمنية التي ينظر إليها العالم من خلفية ما انفردت به من تجربة رائدة نالت إعجاب وتقدير المراقبين الدوليين بغض النظر عما نصت عليه تقاريرهم من التوصيات والملاحظات النابعة من حرص على تطور العملية الديمقراطية التي تمثل أهمية خاصة على الصعيدين الإقليمي والعربي. أقول ذلك وأقصد به أن أول عملية مشتركة تنتصب أمام قيادات الأحزاب والتنظيمات السياسية واللجنة العليا للانتخابات تلك المتعلقة باستيعاب توصيات وملاحظات بعثة الاتحاد الأوروبي التي راقبت الانتخابات الرئاسية والمحلية التي تضمنتها التعديلات القانونية التي توافقت عليها الأحزاب واختلفت عليها في اللحظات الأخيرة بسبب عدم إيفاء أحزاب اللقاء المشترك بتقديم أسمائهم إلى عضوية اللجنة العليا للانتخابات بعد أن كان مجلس النواب قد ناقشها وأقرها مادة مادة في جلساته السابقة التي خصصت لإقرار ما اتفقت وتوافقت عليه الأحزاب السياسية. وبهذا الحوار الجاد والمسؤول تكون الأحزاب والتنظيمات قد أبعدت الوطن عن شبح الدوامة الشمولية الخطيرة للخلافات الحزبية غير المعقولة وغير المقبولة التي يتضرر منها الجميع ولا يستفيد منها سوى أولئك الأعداء الذين يضمرون الكراهية والحقد والاستعداد الدائم للغدر بكل عمل وطني يندرج في نطاق الانتصار للأهداف الاستراتيجية للثورة اليمنية 26 سبتمبر و14 أكتوبر المجيدة والخالدة التي يتفق على قدسيتها الجميع رغم اختلافهم على البناء. وهنا لابد من وقفة مراجعة جادة ومسؤولة أمام المعقول واللامعقول في خطابات ومواقف الأحزاب والتنظيمات السياسية ونحن قاب قوسين أو أدنى من المواعيد الزمنية للمرحلة النهائية ترقب فيها الهيئة الناخبة جميع الحركات والسكنات الصادرة عن الأحزاب والتنظيمات المتنافسة بصورة تؤثر إلى هذا الحد أو ذاك سلباً وإيجاباً على منح الثقة وحجب الثقة؛ الأمر الذي يحتم على جميع الأحزاب توخي الحذر والدقة في الاحتكام للمصداقية والموضوعية في مجمل خطاباتهم وبياناتهم ومواقفهم المعلنة حتى لا يجدوا أنفسهم ضحية للشطحات المرصودة من قبل الهيئة الناخبة صاحبة القول الفصل في النجاح وفي الفشل الانتخابي. أقول ذلك وأنا على يقين أن قيادات الأحزاب تدرك مهما كابرت وتهربت أن لكل مقام مقالاً، ولكل حادث حديثاً، وأن الذين لا يحكمون مقالاتهم ومقاماتهم في إساءة استخدام ما هو متاح من الحرية يوقعون أحزابهم ومرشيحهم ضحية لمقالات ومقامات لا تليق بهم نظراً لما يقومون به من تعريض خطاباتهم وبرامجهم ومصداقيتهم للشك والريبة على نحو لا ينتج عنه سوى الإضعاف للثقة والمزيد من الإضعاف الذي يعرض التصديق لما يشبه الاستحالة من قبل الهيئة الناخبة الميالة إلى المصداقية والموضوعية بحكم تجربتها المريرة مع هذا النوع من الخطابات والكتابات المتطرفة والطاردة للثقة الانتخابية باعتبارها الغاية السياسية التي تدور من أجلها جميع المنافسات الانتخابية الرئاسية والنيابية والمحلية باعتبار الانتخابات الحرة والنزيهة هي البوابة الوحيدة لتحقيق التداول السلمي للسلطة في الأجواء الديمقراطية السليمة المحكومة بما هو نافذ من القوانين. ومعنى ذلك أن الاحتكام لسيادة القانون شرط أساسي لحرية ونزاهة العملية الانتخابية التي لا مجال فيها للنزعات الفوضوية والممارسات غير المسؤولة مهما رافقتها من خطابات وبيانات وحملات دعائية مضللة؛ لأن حبل التضليل قصير ونتائجه غير مضمونة ولا يمكن الاعتماد عليها في العملية الانتخابية الموجبة للمصداقية والموضوعية وتجنب الوقوع في تناقضات بين المواقف المعلنة للأسس والمواقف المعلنة لليوم التي تظهر السياسي في مواقف صعبة وتناقضات فاضحة تدل على اضطراب قناعاته الانتهازية الموجبة للتضاد وغياب المبادئ الموجبة للتطابق والثبات السياسي والأيديولوجي الذي يربط المواقف المسؤولة. إن وفة مراجعة بدافع الحرص على الاتفاق تحتاج إلى الوضوح والصراحة مع النفس ومع الآخر طالما كانت الحقيقة هي الغاية من تعددية المواقف والآراء وتنوعها وما تستوجبه من استعداد دائم للتصويب والتراجع عن الأخطاء التي تؤدي إلى افتعال الأزمات المنذرة بالأخطار الوطنية والكارثية التي تهدد الأمن والاستقرار بصورة تظهر التعددية الحزبية والسياسية بمظاهر معادية للوحدة ومبددة للتعاون لا تتفق مع ما تهدف إليه الديمقراطية من تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية نابعة من الحرص على الأمن والاستقرار والرقي والازدهار الحضاري الذي يتحقق في أجوائه وفضاءاته الواعدة قدر معقول ومقبول من السعادة الحياتية والمعيشية لجماهير الشعب صاحبة المصلحة الحقيقية في الثورة والوحدة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة. إن الدخول في الانتخابات والمشاركة فيها هو الأصل الذي لا يمكن لأي كان استبداله بأي نوع من أنواع المقاطعة التي لا تفسر من قبل المراقب المحايد سوى بالهروب غير المبرر الناتج عن ضعف القدرة التنافسية وعدم الثقة بالنفس طالما كان الاستعداد للحوار يكفل للطرف الأضعف تحقيق ما هو معقول وممكن من تنازلات الأقوى كفيلة بتبديد ما لديه من المخاوف الناتجة عن خلل في الآليات التنظيمية والقانونية المنظمة للعملية الانتخابية الهادفة إلى إحقاق الحق القائم على عدالة الدستور والقوانين النافذة لاسيما أن التجربة الديمقراطية اليمنية مازالت في بدايتها تحتاج إلى كل رأي مفيد يضيف لها قوة إلى قوتها ووضوحاً إلى وضوحها المكتسب. ويؤمن الحرية والنزاهة والشفافية والضمانات المرضية لجميع الأطراف المتنافسة في الميادين الانتخابية حتى لا يجد البعض ما يحتاجون إليه من المبررات التي يبحثون عنها لتبرير مواقفهم غير المنطقية وغير الديمقراطية الهاربة من خيار المشاركة إلى خيار المقاطعة غير المعقولة وغير المقبولة في سباق المنافسات الانتخابية الحتمية المسؤولة.