حسبت أن المؤتمر الشعبي العام سيطلق الكثير جداً من النقاش، والحوار والسرد التاريخي لمسيرته الوطنية، غير أنني لم اتوقع أن تمر ذكرى تأسيسه السادسة والعشرون بكل هذا الهدوء والصمت الإعلامي المبالغ فيه جداً..! تعد تجربة المؤتمر الشعبي العام واحدة من التجارب الفريدة التي تستحق التأمل طويلاً، ليس لكونه ما زال في صدارة حكم اليمن، بل لأنه مثل في بداية تأسيسه (42- 92 أغسطس 2891م) خياراً يمنياً شعبياً لإنقاذ الوطن من أسوأ مآزقه التاريخية التي كادت أن تنسف الثورة السبتمبرية، وتضيع كل التضحيات التي قدمها اليمنيون للتحرر من الملكية، وعهود التخلف والاستبداد. فالمشكلة التي كانت اليمن تواجهها في أواخر السبعينيات هي تبعات حالة التشطير التي تجاوزت الحدود الجغرافية، وحدود الخلاف السياسي بين نظامي الشطرين لتدخل المواجهة مرحلة حرب فكرية وعسكرية في آن واحد، ولم يعد ممكناً مواجهة المد الماركسي المعزز بالمليشيا المسلحة بأحدث ما أنتجته موسكو بغير وحدة صف وطني، وتحالف يجمع مختلف الفرقاء والأصدقاء في خندق واحد للذود عن الأرض، وقبلها العقيدة، والتراث الثقافي، فتولّدت حينئذ لدى الأخ الرئيس علي عبدالله صالح فكرة «الميثاق الوطني» الذي يحدد الثوابت الوطنية، والقواسم الفكرية للعمل السياسي، ثم إقامة المؤتمر الشعبي العام الذي كانت مهمته في البداية المصادقة على مشروع الميثاق الوطني إلاَّ أنه كتب له الاستمرارية لمتابعة تطبيق مبادئ الميثاق. ربما لا يعلم جيل الشباب اليوم أن الغالبية العظمى من الأحزاب السياسية القائمة اليوم كانت طوال حقبة الثمانينيات ضمن مكونات المؤتمر الشعبي العام، وأنها مارست تحت مظلته (التعددية السياسية) قبل أن تخرج منها بعد إعلان قيام الجمهورية اليمنية إلى (التعددية الحزبية) .. وهو الأمر الذي يفسر لماذا ظل المؤتمر يفتح أبوابه لأعضاء الأحزاب الأخرى للانضمام إلى صفوفه..! ورغم أن بعض قيادات المؤتمر (الحديثة) تتحدث عن المؤتمر بصفة أنه (حزب) لكنه في الحقيقة أكبر من «حزب»، لأن أدبياته تؤكد أنه «أداة للعمل السياسي التنموي»، وتشير إلى كونه «تنظيماً برامجياً مرحلياً»، أي أنه لايسعى لنشر مبادئ أيديولوجية فكرية معينة، وإنما إلى وضع «برامج» ذات طابع تنموي ومن ثم السعي إلى تحقيقها عبر مراحل زمنية تتناسب والواقع اليمني، لذلك كان الأقدر من الأحزاب الأيديولوجية على التطور والتنامي، وكذلك القبول عند الجماهير، كونه غير مقيد بفلسفة أيديولوجية تعيقه عن مواكبة تطورات الفكر السياسي العالمي، وحراك المجتمع الدولي. ويبدو لي أن المؤتمر الشعبي العام اليوم، وبعد كل ما حققه من إنجازات ومكاسب وطنية طوال مسيرة (62 عاماً)، بات حقاً عليه البحث عن آلية سياسية تكفل له الحفاظ على منجزاته وحمايتها حيث إن اتساع رقعته الجماهيرية، وتزايد مسئولياته الوطنية، قادت إلى اندساس بعض الانتهازيين والوصوليين، والفاسدين الذين أصبحوا مصدر تشويه للمسيرة التاريخية العريقة للمؤتمر التي كان لها فضل تحقيق الوحدة اليمنية، والديمقراطية، والنهضة التنموية الكبيرة الماثلة للعيان. وبتقديري الشخصي أن مرور ذكرى التأسيس دون خطاب إعلامي مؤتمري يحدّث جيل الشباب عن تجربة المؤتمر وضروراته، ومنجزاته، والقاعدة التي انبثق منها، لهو أمر يضع عشرات علامات الاستفهام أمام إعلام المؤتمر، ومدى وعي القائمين على مؤسساته بأهمية بعض المناسبات الوطنية، خاصة عندما تكون الساحة اليمنية بأمس الحاجة للتذكير بالحوار، وأهمية وحدة الصف الوطني