تبتسم الوجوه وترتسم عليها أسارير الفرح والابتهاج بقدومك ياشهر الخير والبركات، وتأتلق النفوس ترحيباً بك يا «رمضان» ياشهر الرحمة والتقوى والغفران .. والدنيا كلها أرضاً وبشراً وشجراً ... الخ .يغمرها نورك المبين .. بل الكون كله أرضاً وسماء ترتفع أصوات كائناته بالتهليل والتكبير لخالقها رب العرش العظيم مرحبّة بشهر الصوم والقرآن شهر البر والإحسان .شهر رمضان الكريم ..، وهذه الوجوه وهذه النفوس هي المؤمنة بالله إيماناً حقيقياً يشغل شهر رمضان المبارك حيزاً روحياً كبيراً في فضاءات سلوكها الديني قولاً وعملاً ..، وبعيداً عن الحديث عن هذا الشهر الكريم من حيث فعالية الصوم عن الأكل والشرب بقدر ما يهمنا الحديث عن شهر رمضان الكريم الذي ما إن يهلُّ علينا حتى تبدأ حالة طوارئ كبرى تسود بيوت ووجوه ونفوس المواطنين خاصة منهم ذوي الدخل المحدود والعاطلين عن العمل والطبقات الفقيرة والأشد فقراً .. تصل هذه الحالة أحياناً إلى درجة من البكاء والهوان .. والمشكلة أن ما يحدث لا يحدث إلاّ في هذا الشهر الفضيل .. فلماذا يحدث كل هذا ؟ الحقيقة أن التجربة المعيشية للسواد الأعظم من الناس .. وخصوصاً المعدمين منهم من المفروض أن يكون أثرها إيجابياً جداً على طبقات الأغنياء والتجار ورجال المال والأعمال إذ إن أهم بنود الحكمة الإلهية من فرض الصوم هو شعور الأغنياء بجوع الفقراء في هذا الشهر المبارك وبالتالي وبموجب إنسانية الإنسان واشتراك هؤلاء الأغنياء مع مجاميع الفقراء في أهم مقومات الحياة داخل الوطن الواحد وهي مقومة (الدين) فإن المنتظر من هؤلاء الأغنياء ، رقة في المشاعر والأحاسيس بالفقراء وترجمة ذلك عملياً من خلال أعمال الخير المتعددة التي تساعد على الأقل على قتل القلق النفسي لدى العوام مما يؤثر في سلوكهم التعبدي في رمضان ، وحتى لا يصبح شهر رمضان لديهم شهر صوم الصوم ... وأعتقد أن أعمال الخير التي تقوم بها الجهات الرسمية والمدنية وأهل البر والإحسان في رمضان تخفف قليلاً من المعاناة ولكنها لا ترسم الفرحة برمضان بشكلها الكلي على وجوه البؤساء فقراً .. وما هو مطلوب فعلاً هو إعطاء وحش الغلاء في الأسعار إجازة رمضانية لمدة شهر واحد يتيح للفقراء القدرة على الخروج من أكواخهم دون أي خوف يبتاعون ولو متوسط ما يشتهون وذلك من خلال قيام أرباب السلع الغذائية بخطوة إنسانية عظيمة ودينية أيضاً يثيبهم الله عليها أحسن الجزاء ويكون لهم مع شهر رمضان الكريم موقف لن ينساه لهم أبداً .. وهذه الخطوة هي قيامهم بتخفيض جميع أسعار السلع الغذائية وخصوصاً المطلوبة في شهر رمضان المبارك وبنسبة تسمح للفقراء من الاقتراب منها وشراءها .. وكل في منتوجه الذي يسوقه.. صحيح أن في ذلك خسارة فادحة لهم ولكن ليكن ذلك ما دام ثواب الله أعظم ربحاً وعلى اعتبار أن خسارة صاحب المصنع والمتجر وال.... وال... هي صدقة .. إحسان .. زكاة ،، للفقراء .. ولانريد منهم أكثر من ذلك .. إلى هنا ينتهي حديثنا عن رمضان والفقراء. وهناك نفوس تدعي الإيمان ولكنه منها براء .. فلا يزيد توحشها في بيع سلعها للفقير إلاّ توحشاً وتنعدم الرحمة ويزيد فيها الجشع والطمع وكأنها في حرب مع الله .. والله هو القوي المتعال .. فتراهم ما إن ينتهي رمضان حتى ترتسم الابتسامة على وجوههم وكأنهم سعداء بانتصارهم على ذلك المواطن المسكين بما حققوه من أرباح زائلة (فما الحياة الدنيا إلاّ متاع الغرور) لذلك فإن ما ندعو إليه هو لماذا لا يقوم تجار السلع الكبار في بلادنا عامة بعقد صفقة تجارية مع الله سبحانه وتعالى يربحون بموجبها أضعاف ما يربحونه من وراء المواطن (الحسنة بعشر أمثالها) .. أفضل من (الريال بعشر أمثاله) ولماذا لا يقومون بعقد تصالح مع رمضان فيتخفف عنهم غضبه ويكثر الدعاء لهم فيه من السواد الأعظم من الناس. إننا لنأمل في أن يأتي هذا الشهر الفضيل وقد خالج التجار الضمير الإنساني والتعبد الرمضاني فنجد منهم ما يعكس صومهم عن الجشع والطمع فضائل تسمو بهم في عيون رمضان المبارك .. إننا لا ننكر ما يقومون به من أعمال البر والإحسان للفقراء في هذا الشهر المبارك ولكن أن ينزل سعر البيضة الواحدة إلى عشرة ريالات والحبة الزبادي إلى عشرين ريالاً مثلاً أفضل للمعدمين من تلك الطوابير الواقفة أمام المصانع والمؤسسات وبيوت التجار فمعظم الفقراء لا يأكلون إلاّ بيضاً وزبادي .. وأعتقد أن هذه الخطوة لو نفذت لاستطاع الفقير أن يسد رمقه بما معه من نقود أما أن تعطيه بعضاً من النقود بيد وتأخذها منه عند الشراء للسلع بيد أخرى وبأضعاف ماتعطيه فهذه هي وحشية الغلاء التي لا ترحم .. فالفكرة إذن برمتها «تغييب وحش الغلاء» ولو في رمضان فقط.. والامتناع عن الاستغلال والاحتكار والابتعاد عن الجشع والطمع الذي يتزايد في رمضان .. وبذلك نستطيع القول لرمضان (أهلاً وسهلاً بك ياشهر المحبة والرحمة والإنسانية والعبادة والغفران والقرآن الكريم).. كما نأمل من الأجهزة الرسمية مضاعفة جهود الرقابة على البائعين كباراً وصغاراً وضبطهم الضبط الرادع لأي متلاعب.