الفرق بين أن يحكمك نظام شمولي أو أن يحكمك نظام ديمقراطي هو أنك في الحالة الثانية فقط تستطيع امتلاك إرادتك ، وحرياتك ، والمطالبة بحقوقك.. لكن: لماذا ينتهك بعضنا القانون في ظل الديمقراطية بينما في العهد الشمولي تجرّده الدولة بيته دون أن يجرؤ على فتح فمه؟! يتحدث اليمنيون عن أيام زمان ، ويروون أن الإمام في صنعاء كان يرسل جندياً واحداً ببندقية لاتحمل غير رصاصتين فيجرّ خلفه قبيلة بأكملها ، فيما كان النظام في عدن يرسل رسالة بيد أحد المراسلين يأمر فيها رب الدار بإخلاء بيته بموجب قرار تأميم فينفّذ رب البيت دون أن ينبس بكلمة.. فهل كانت تلك الأنظمة تستحق الاحترام والانصياع لقوانينها أم كان الإنسان اليمني منزوع الإرادة والكرامة وينصاع ذليلاً!؟. الحياة الديمقراطية التي يعيشها الإنسان اليمني أوجدت عند البعض إشكالية وعي ، وانفصاماً في الشخصية ، فبات يفهم احترام الدولة لحرياته وكرامته وحقوقه الإنسانية ضعفاً من السلطة ، في نفس الوقت الذي يستهجن ماكانت تمارسه الأنظمة البائدة تجاهه من ظلم ، ومصادرة حريات وحقوق ، وقمع لكل تطلعٍ يسعى إليه خارج ماهو سائد.. ولعل مثل هذا الانفصام لايمكن فهمه إلا كسلوك غير سوي يفكر فيه البعض بحقوقه ويتجاهل مسئولياته بعد أن كان يحرص كل الحرص على اداء مسئولياته دونما أدنى تفكير بحقوقه ، لأنه كان يهمه تفادي غضب السلطة وبطشها. ويبدو أن غرور البعض وطيشه يجعله يعتقد أنه أصبح أكبر من الدولة ، لذلك تجده يحصر تفكيره في مصالحه الشخصية دون أي اكتراث للمصالح العامة ، أو الظروف التي تعيشها البلد.. وهو الأمر الذي غالباً ماتحمله البيانات الصادرة عن أفراد أو جماعات أو تنظيمات ، وعندما تتعثر المساعي في بلوغ ماينشده فإنه لايتردد في الإتيان بفعل يعطل عمل شركة نفطية ، أو يقطع طريقاً عاماً متجاهلاً أن هناك ملايين آخرين مستفيدين من هذه المصالح ، وأن فعله يلحق بهم ضرراً. البعض من السياسيين يعزو هذه الظاهرة إلى القانون ، وهو أمر قد يكون صائباً بقدر ما ، لكن عندما يتم تجاذب الحديث حوله بين المثقفين ، ومراجعة الظروف الاجتماعية والثقافية لليمن يكتشف المرء أن تطبيق القانون بحذافيره في بعض مناطق اليمن النائية أو القبليّة لابد أن يقود إلى زج جميع أبناء تلك المناطق في السجون لأن قصور وعي ابنائها يعرضهم لارتكاب الكثير من المخالفات ،وهو الأمر الذي يرجح أولوية التوعية وبناء الثقافة المجتمعية. لكن عندما يرتبط الأمر بالطبقة الواعية من سكان المدن فإن القانون يجب أن يأخذ مجراه لتحديد الحقوق والواجبات حتى لايفرض البعض نفسه ككيان أكبر من القانون ومن الدولة نفسها.. وهناك اعتقاد لدى قسم من المثقفين بأن الأوساط الواعية والمتعلمة في البلدان الديمقراطية هي الأكثر انتهاكاً للقانون من بقية أبناء المجتمع وهو ما هو حاصل لدينا في اليمن ، خاصة بين بعض الناشطين الذين يتمادون بغرورهم ، ويأتون بأفعال وقحة باسم الحقوق والحريات.. ربما علينا جميعاً مراجعة حساباتنا ، والوقوف عند حدودنا الممكنة ، وتذكر أن أي نظام يمتلك أجهزة أمنية وعسكرية قادرة على البطش ، لكن ليس كل الأنظمة تمتلك ضمائر وتحرص على كرامة شعوبها..