جاءت ثورة 14 اكتوبر العظيمة لتضع حداً لاحتلال استعماري استمر 129 عاماً . ومع عدم تسليمي بمصطلح الاستعمار كوصف للاحتلال إلا أن شيوع هذا ا لمصطلح أجبرنا على التعامل به ومعه، ولكن ليس وفقاً لتصورات المستعمر وإنما وفقاً لحقيقته التي ينطبق عليها وصف الاحتلال.ولم تكن هذه الثورة لتنجح لولا دعم ثورة 26 سبتمبر التي مهدت لها والتفاف الشعب اليمني كله من أقصاه إلى أقصاه حول هذه الثورة . لقد كان لموقع عدن الاستراتيجي أثره في تحفيز المستعمر المحتل لاحتلالها ولذا لم يظهر ما يدّعيه من إصلاحات سوى في محافظة عدن، حيث وفرت ميناءها ملاذاً آمناً لسفنهم القادمة من الهند والذاهبة إليها، وكعادة كل محتل فقد اتخذ من جنوح سفينة بريطانية ذريعة لاحتلالها .. وأخمد كابتن «هينس» بمدافعه مقاومة قلعة صيرة .. ولكن ذهب المحتل وبقيت القلعة شاهدة على مقاومة أبناء مدينة عدن البواسل للاحتلال . لم يحقق الاحتلال البريطاني أي تنمية لمناطق جنوباليمن عدا تلك المدينة والتي عاشت رخاءً حرمت منه بقية المناطق لأن مصلحة المحتل هناك فقط. لقد احتضنت مدينة عدن معظم ثوار سبتمبر ومن قبلهم ثوار (55) و(48) وتأسست الجمعية اليمنية الكبرى بقيادة الزبيري والنعمان فيها، ولم يكن إيواء الثوار في عدن ناتجاً عن اقتناع المحتل بعدالة قضيتهم وإنما نكاية بالإمام وكلما تحسنت العلاقة معه طرد الثوار أو أوقف نشاطهم. وشاءت قدرة الله عز وجل أن يستلم الزمام بعد خروج المحتل شبان من أبناء اليمن دفعهم الحماس للاتجاه شرقاً وغذت الحرب الباردة هذا التوجه ولم يلتحم الشطران إلا في نهاية هذه الحرب عام 1990م. لقد أخرت الحرب الباردة وحدة اليمن ولو استمرت فإن التشطير كان سيستمر معها ، وليست الحرب الباردة ونهايتها من كانت سبباً وحيداً في تحقيق الوحدة وإنما هناك أسباب أخرى أولها أن الوحدة اليمنية ظلت هاجساً في تفكير ووجدان الشعب اليمني ولم تغب عن تفكيره حتى في أحلك حالات العداء بين الشطرين وكل حرب بينهما كانت تنتهي باتفاقية للوحدة منذ عام 1972م في ليبيا و1979م في الكويت.. وهكذا، ولابد من الإشادة بقيادتنا السياسية ممثلة بالأخ الرئيس علي عبدالله صالح، الذي شرّفه الله تعالى بتحقيق هذا المنجز العظيم وبدعم الشعب القوي. فلا يعرف نعمة الوحدة وأثر ثورة أكتوبر العظيم إلاّ من جرب التشطير وعاش معاناة ومعنى الغربة في وطنه وهو يرى أجناساً من البشر يتمتعون بحقوق المواطنة اليمنية وهو اليمني الأصيل يعامل كأجنبي وحاله كما قال شوقي : أحرام على بلابله الدوح وحلال للطير من كل جنس إن منجرات ثورة أكتوبر العظيمة كثيرة وكبيرة وأعظمها انعتاق الشعب والأرض من الاحتلال الذي رسم لوحة جميلة في مدينة عدن فقط وترك بقية أرض الجنوباليمني قاحلة جرداء بيداء لا تمسك الماء ولا تنبت الكلأ ولابد من التذكير في هذه المناسبة العظيمة بتضحيات أولئك العظماء الذين فجروا هذه الثورة ابتداء من جبال ردفان ثم عمت كل مناطق الجنوب ولولا تلك التضحيات الجسام التي بذلها المناضلون الكبار بإرادة الله عز وجل لكنا اليوم كالدول الأفريقية التي تركها الاحتلال مكبلة ، فثوار اليمن البواسل انتزعوا استقلال بلادهم انتزاعاً ، فالكفاح المسلح هو الذي عجل بخروج الاحتلال البريطاني الذي كان مقرراً أن يرحل عام 1970م بعد أن يكبل البلاد باتفاقية تضمن له الاستمرار في الاحتلال غير المباشر كما فعل في بعض البلدان العربية. كل التهنئة للشعب اليمني ولقيادتنا السياسية ونسأله عز وجل أن يعيد هذه المناسبة وقد تحقق لشعبنا المزيد من التقدم والازدهار، كما نسأله جل شأنه أن يتغمد الشهداء الأبرار بواسع رحمته.. إنه سميع مجيب.. وكل عام والجميع بخير.