الفيضانات التي بدأت كوارثها في حضرموت والمهرة امتدت أمس إلى عدد من المحافظات الأخرى، لتسبب مزيداً من الضحايا، والخسائر المادية، ولتكشف النقاب عن ظواهر ومواقف ما كنّا لنعرفها لولا هذه الكوارث..! طوال اليومين الماضيين لم تتوقف هواتفنا النقالة عن استقبال الرسائل القصيرة التي تعلن عن تبرع عدد من رجال المال والأعمال بملايين الريالات لصالح ضحايا السيول وإعمار مناطقهم... ولأول مرة نكتشف حجم النخوة والشهامة التي يتمتع بها رجال المال والأعمال في بلادنا، بل ما زاد المشهد روعة ما وردنا من أخبار إخواننا المغتربين في شتى أنحاء العالم، وهم يهرعون لبذل التبرعات والتواصل الدائم للاطمئنان على أبناء شعبهم. الدول التي تهرع إلى كل مكان - حتى لإنقاذ الشعب الأمريكي (الشقيق) عقب كل إعصار فتحت عيوننا على زمن عربي عجيب وغريب تنسلخ فيه الأمة من جميع ثوابتها، وقيمها، فلم يعد يهزها جيش قادم إلى البحر الأحمر ليحرس أبوابه، ويفرض على كل كيلو من تجارتها أو لتر من نفطها (إتاوة) كالتي كانت قبائل قريش تدفعها لبعض قُطّاع الطرق لتأمين تجارتها... كما أن هذه الأمة لم تعد تهزها الكوارث، ولا زلازل، ولا فيضانات، بل صارت تستمع لمشاهد الجثث الطافية فوق السيول، دون أن تهتز لها شعرة. ما أعجبني في اليمن هو أن شعبها لديه مثل شعبي يقول: (إن جيت يا مرق سبغنا، وإن غبت بالستين) ! فهولاء لا يعولون على أحد، وعلمتهم التجارب فن الاعتماد على النفس، وفن القناعة بالقليل، والتكيف مع مختلف الظروف... بل إنهم يشتدون مع الأزمات ويزدادون توحداً وتلاحماً وتكاتفاً وتكافلاً .. وربما من تابع الشارع اليمني طوال أيام كارثة السيول سيذهل بمدى القلق الذي انتاب كل فرد منهم على أبناء المناطق المنكوبة. أما ما يجعل المشهد يزداد جمالاً فهو ما اعتادت عليه قيادة اليمن السياسية في أن تكون في صدارة كل موقف، وأن يقود الرئيس علي عبدالله صالح أعمال الإغاثة والإشراف على الرعاية التي تقدم للمنكوبين سواء في الكارثة الأخيرة أو ما سبقها من كوارث.. وبكل تأكيد إن لذلك أثراً في تأجيج الحماس لدى مواطنيه في المبادرة والتعاون ، والتكافل، والاعتماد على النفس، وعدم انتظار أحد يكون أكثر رحمة بشعبهم من أنفسهم.