يبدو أن "الأشقاء" الروس بلغهم العلم بكوارث اليمن قبل "الأصدقاء" الخليجيين، فسوء الأحوال الجوية في الجزيرة حجب النبأ عن الجيران..! فسبقهم الروس إلى تقديم العزاء لليمنيين بضحايا الفيضانات، فيما لحق زعماء الخليج في اليوم الثالث، ليقدموا تعازيهم على طريقة المثل الشعبي اليمني (معزيه بعد شهرين مقلبة لكل المواجع)!! اليمنيون مستاءون..! اليمنيون غاضبون..! اليمنيون متفاجئون أن جيرانهم صامتون فيما هم غارقون، أو محاصرون بالسيول، والآلاف من النساء والأطفال مشردون بلا مأوى، يلوذون بين الصخور ليحتمون من برد البرية القارص.. فيما يستمتع جيرانهم برؤية الكارثة من خلف شاشات الفضائيات..! عشرات الاتصالات تلقيت خلال يومين من يمنيين في الداخل والخارج يستغربون سرّ الموقف الخليجي الذي لم يهرع لإغاثتهم- باستثناء الإمارات- وكنت منذ الاتصال الأول أجيبهم: هذه اليمن وليست أمريكا.. فلو كنتم كزنوج أمريكا الذين نكبوا بالإعصار قبل عامين، لحبَت إليكم زعامات البترول حبواً لإغاثتكم، "تقرباً لله تعالى"، و"تباركاً بمسحات وجوهكم"!! غير أنكم ذلك الشعب الفقير، الذي لا يتردد في أن يجوب كل أصقاع الأرض بحثاً عن لقمة كريمة.. أنتم الشعب المكافح الذي لا يحني رأسه لالتقاط فضلات أحد.. أنتم شعب ما زال يتغنى بأمجاد العروبة، والإسلام، والقدس، وبغداد، والنخوة، والشهامة، والقبيلة.. فمن سيلتفت إليكم يا أبناء اليمن، ونصف شعب الأمة يُلقح في أرحام مستأجرة، أو أنابيب اصطناعية، ويرضع في أحضان الهندوس والبلوش والأردو..!!؟ أنتم لستم حتى كما تركيا يا أبناء اليمن ليهرول إليكم العمانيون، والسعوديون، والقطريون، والبحرينيون.. وليفتحوا لكم جسوراً جوية لإمدادات الإغاثة حين يضرب بلادكم الزلزال.. لأنكم ما زلتم طيبون، وبحسن نوايا تتصرفون..! يبدو أن اليمنيين سبقوني لنفس القناعة.. لذلك هم غداً، ومن جميع أنحاء اليمن، سينطلقون بأكبر حملة إغاثة شعبية للمنكوبين.. سيقسمون بطانيات أطفالهم مع المنكوبين.. وسيتشاطرون الرغيف مع الجوعى المشردين من أبناء حضرموت والمهرة وتعز وشبوة وغيرها.. وسيبعثون بالعلاجات والحليب للأطفال، وكل سيتبرع بما جاد الله عليه!! غداً ستتسابق بيوتنا، وستتنافس نساؤنا وبناتنا في مد يد العون والغوث للمنكوبين... غداً سننزع حلق آذاننان وخواتمنا، ودبلات زواجنا ونعين بها دولتنا، ونرفع بها رؤوس رجالنا.. دون أن نذل لأحد من جيراننا.. غداً سيتفرج العالم كله على شعبنا، وسيعرف الكبير قبل الصغير أخلاقنا، ونخوتنا، ورجولة رجالنا، ونريهم ثراء نفوسنا، وإيماننا!! غداً ستنتكس رؤوس مليارديرات الخليج، وسيبقى شعبنا عزيزاً، كريماً.. أليس هو اليمن من قال فيه الحبيب المصطفى- صلى الله عليه وسلم: (أتوكم أهل اليمن هم أرق قلوباً وألين أفئدة.. الإيمان يمان، والحكمة يمانية).. أليس هو ملاذ المنكوبين، وقال فيه: (إذا اشتدت بكم الفتن فعليكم باليمن).. فهل من مُزايد!؟ عظيم الشكر لكل رجال المال والأعمال اليمنيين الذين هرعوا للتبرع من غير أن يدعوهم أحد.. عظيم الشكر لجمعيتي "الصالح" و"الاصلاح" الخيريتين الذين كانوا في الخط الاول للإغاثة منذ الساعات الأولى.. عظيم الشكر لمغتربينا الذين تواصلوا وقدموا الدعومات السخية.. عظيم الشكر لكل منظمات ومؤسسات المجتمع المدني التي تداعت للحث على التبرع واستنفار الساحة الشعبية.. عظيم الشكر لوسائل إعلامنا باختلاف انتماءاتها لدعمها المعنوي للمنكوبين.. أعظم الشكر والحمد لرب العالمين الذي لطف بأهلنا في المحافظات المنكوبة.. والرحمة على أرواح شهداء كارثة الفيضانات.. اللهم لا نسالك رد القضاء، بل نسألك اللطف به.. انت أرحم الراحمين وبك نستعين..!