تعمل الشعوب مراجعات بين فترة وأخرى لتقيّم علاقاتها بعضها ببعض، وأحياناً يصل الأمر إلى حد المشادة وسوء الفهم حين يحتدم النقاش ليس في صف الفئات الشعبية وحسب ولكن في صفوف المثقفين الذين عادة ما ترشحهم ثقافتهم إلى مثالية قد لا يكون بإمكانها أن تتحقق على أرض الواقع. لقد حدث فتور في العلاقات الرسمية بين اليمنوالكويت إبان احتلال العراق للكويت بزعامة صدام حسين، وبلغت الحماقة بصدام أن عين رئيساً للكويت هو أحد الكويتيين الذين أبدوا الندم فيما بعد على قبول هذا الترشيح. ولما هبّت كثير من الدول لتحرير الكويت من هذه الحماقة التي لم يكن ثمة داع لتصل إلى هذا الحد كان اليمن أول من اقترح أن يكون العرب وليس الأجانب هم الذين يجبرون صدام على التراجع عن فعلته حتى وإن استدعى الأمر استخدام القوات المسلحة. فالعرب باعتقاد اليمن هم الذين يستطيعون معالجة شؤونهم دون التدخل الأجنبي الذي عادة ما يستغل الذرائع لإنجاز أطماعه؛ وهذا ما حدث. كانت العلاقات الكويتية - اليمنية في أفضل حالاتها؛ بل إن هذه العلاقات الممتازة كانت تستدعي أن يقوم اليمن بدور أكثر من أي قطر عربي لما للكويت من فضل مؤازرة اليمن في عملية التنمية. ولأن الأخوان في الكويت معذورون لعدم فهم ما يهدف إليه اليمن من عدم توسيع شقة الخلافات العربية فلم ينظروا النظرة البعيدة التي يريدها اليمن نظراً للكارثة التي حدثت لهم. ولأن هناك حساسيات عربية؛ إذ كل يطمع أن يحقق حساباته، مستغلاً المحنة الكويتية؛ فإن اليمن كان يتجاوز أية حساسية ليقينه أن الأشقاء في الكويت ستنجلي أمامهم الحقيقة وإن تأخرت بعض الشيء. إن اليمن لا يستطيع أن ينسى ما قام به الكويت لدعم اليمن إبان ثورته المظفرة وما قام به من تنمية ممتازة على مستوى اليمن شمالاً وجنوباً، فهناك هيئة الجنوب والخليج العربي التي نفذت عشرات المشروعات في الجنوب قبل الوحدة. وهناك مكتب دولة الكويت في صنعاء الذي نفذ تنمية رائعة في الشمال من أبرزها جامعة صنعاء1970م، بينما لم يصنع العراق أي منجز لا في الجنوب ولا في الشمال. كنت أصغي إلى هذا النقاش في مقيل؛ وقلت: ما أجمل قول هذا الشاعر الحكيم: إذا احتربت يوماً فسالت دماؤها تذكرت القربى ففاضت دموعها.