العلاقة الطبيعية والمفترضة بين التاجر والمستهلك تقوم على أساس تبادل المنافع والمصالح، فالتاجر لايمكنه أن يحقق أرباحاً إلا بوجود مستهلك يمتلك قدرة شرائية مناسبة، والمستهلك بحاجة إلى توفير كل متطلباته واحتياجاته الأساسية عبر هذا التاجر. هذه العلاقة يجب أن تحكمها قيم وأخلاقيات دينية وانسانية أولاً وثانياً تحمل الدولة بأجهزتها المختصة مراقبتها حتى لاتتحول هذه العلاقة إلى أداة لاستغلال الإنسان «المستهلك» وامتهان كرامته عن طريق احتكار السلع والمغالاة بأسعارها بطرق وأساليب تحكمها «شطارة التجار» وتهاون أو تعاون بعض الأجهزة المختصة مع هذه الشطارة. - سياسة السوق المفتوح التي تمنح السوق حرية تحديد الأسعار وفق مبدأ العرض والطلب تحكمها معايير محددة لم تتوفر في السياسة الاقتصادية اليمنية، لأن الاقتصاد اليمني يقوم على أساس احتكار بيوت تجارية للسوق مع وجود دور ضعيف للاقتصاد الموجه من الدولة ووجود تجار صغار لاتقوى امكانياتهم على منافسة هذه البيوت التجارية وعندما يحاول أحد هؤلاء التجار الصغار الاقتراب من هذه الحواجز فإنه «يُبطح» ولاتقوم له قائمة وبالتالي فإن الحديث عن اقتصاد السوق المفتوح في ظل احتكار السوق هو ضرب من العبث. الأسعار خلال العام 7002م ومطلع 8002م شهدت ارتفاعات متسارعة وغير مسبوقة خصوصاً السلع الغذائية وكانت المبررات ان الزيادة مرتبطة بارتفاعات سعرية عالمية لتأتي الأزمة المالية العالمية وتكشف عورة هذه الارتفاعات العالمية ويكتشف العالم ان هذه الزيادة لم تكن طبيعية أو حقيقية وإنما كانت نتيجة لعملية المضاربة التي يقوم بها التجار والمستثمرون، لذلك تهاوت الأسعار عالمياً فتراجع أسعار القمح من «005» دولار إلى «002» دولار للطن الواحد بنسبة 06% عالمياً وتراجعت أسعار الزيوت بنسبة 06% عالمياً وتراجعت تكاليف النقل للطن الواحد من القمح إلى «85» دولاراً بسبب تراجع أسعار النفط عالمياً من «7.741» دولار إلى «05» دولاراً هذا الانخفاض في الأسعار كان ملموساً لدى المواطنين في كل أرجاء المعمورة فماذا يحدث لدى تجار اليمن ؟!. محلياً عندما ترتفع الأسعار في بلد المنشأ المستهلك اليمني أول من يشعر بهذه الزيادة، لأن حاسة شم تجار اليمن تشتم عن بعد هذه الزيادة فلا تفوتهم الفرصة فترتفع الأسعار وتبقى الكميات في مخازن التجار بلا رقيب فيتم البيع بالأسعار الجديدة ويستفيد التاجر من فارق سعر الشراء القديم، وعندما تنخفض الأسعار في بلد المنشأ فإن التجار يصابون بالإنفلونزا الحادة فلا يشتمون رائحة انخفاض الأسعار ويستمر بيع السلع بنفس الأسعار السابقة وعندما تستيقظ الجهات المختصة من سباتها تأتي الحلول التوافقية فيتم مراعاة مشاعر التجار لأن مخازنهم مليئة بالسلع وحتى لايتكبدون خسائر يجب أن يبيع المخزون بالسعر السابق المرتفع ويستفيد التاجر من فارق سعر الشراء الجديد دون ادراك أن كثيراً من التجار كانوا يمارسون احتكار السلع واخفائها من الأسواق حتى ترتفع أسعارها ويلحق الضرر بالمستهلك، وفي كلا الوضعين السابقين يبقى التاجر هو المستفيد وبأرباح خيالية. بحسب متابعين اقتصاديين أكدا أن أسعار الدقيق «القمح» والزيوت انخفضت عالمياً تقريباً بنفس النسب إلا أن انخفاضها محلياً لم يكن بنفس النسبة، فالزيوت انخفضت بنسبة تزيد عن 05% بينما القمح انخفاضه متدرج ولم يصل في نهاية التدرج إلى 52% وهو مايضع حقيقة هامة أن الاحتكار هو أس وأساس المشكلة السعرية في اليمن، فالزيوت وبسبب تنوع وتعدد المستوردين كانت نسب انخفاض أسعاره عالمية بينما ظلت أسعار القمح مرتفعة بسبب محدودية المستوردين ومصادر الاستيراد. حتى إني سمعت من أحد التجار المستوردين للزيوت أن خسائره وصلت إلى عشرين مليون ريال لانه استورد كميات كبيرة من الزيوت ووضعها بالمخازن قبل رمضان على أمل أن ترتفع بصورة أكبر خلال شهر رمضان ليفاجأ بتهاوي الأسعار وانخفاض سعر الزيوت فاضطر لإخراج زيوته وبيعها بالسعر الجديد «مكرهاأخاك لابطل».. فكان درساً رائعاً للمحتكرين وماكان لهذا الدرس أن يتحقق لو أن سوق الزيوت كان حكراً على مجموعة محددة من التجار. لذلك إبقاء استيراد القمح حكراً على تجار محدودين بعدد أصابع اليد الواحدة هو سبب مباشر لاستمرار احتكار الأسعار لهذه السلعة التي تعد الغذاء الرئيسي لجميع الأسر والحل لن يأتي إلا بفتح سوق استيراد القمح على مصراعيه للجميع.